التشخيص الخاطئ لأزمة الجنيه
ربما يكون من المناسب الآن إعادة وزير ووزارة الاقتصاد بعد أن ثبت أهميتهما في تحديد الرؤية الاقتصادية لمصر، بل ومن الضروري اختيار مجموعة اقتصادية متجانسة تعيد صياغة التوجه الاقتصادي، الذي تاه بين اجتهادات فردية وترك إدارة الاقتصاد لقطاع البنوك الذي تحمل كل خطايا الاجتهادات الخاطئة..
وحتى المبادرات التي طرحت لتكوين حصيلة دولارية كانت بمثابة علاج محدود، لتشخيص قاصر، فالقضية لم تعد تحتمل تجميع أفكار لتطبيقها من نفس الأشخاص، ولكن الإدارة الاقتصادية تكون في اختيار نوع السياسية الاقتصادية وتوقيت تطبيقها ووقت التوقف عنها، وليس مجرد تجميع أفكار معلبة تفقد قيمتها مع عدم جودة تطبيقها.
صحيح أن النظرة إلى أن الحل في استهداف زيادة الموارد الدولارية هي نظرة جيدة لكنها غير شاملة، لأن الحل الأسهل هو تقوية الجنيه، ويكون ذلك بخفض حجم النقود في الأسواق بالعملة المحلية والعمل على عدم توجهها لشراء الذهب أو الدولار مما ينخفض معه سعر الدولار حال تراجع الطلب عليه من المواطنين كوعاء ادخاري..
ذلك عن طريق تقديم منتجات استثمارية أو خدمات أو مبادرات للمواطنين بالداخل تستهدف امتصاص السيولة مع تجميدها، دون الاضطرار لرفع أسعار الفائدة التي تضر بالأسواق وفقا لرؤية الدكتور وليد عبد الرحيم جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، ولكن ذلك لم يحدث..
تشخيص خاطئ
فقد كان التفكير ينحصر في أن المشكلة هي توفير أكبر قدر من الدولار، وهو تشخيص خاطئ لأن الدولار لم يرتفع، فما حدث هو انخفاض الجنيه سواء أمام الدولار أم غيره من العملات، وبالتالي فإن تغيير الدول التي نتعامل معها أو استخدام العملات المحلية في التبادل لن يحل المشكلة كون الجنيه انخفض أمام العملات جميعا..
وفي سبيل التعامل مع قضية الدولار كان طرح بعض المبادرات سببا في تعميق الأزمة وليس الحل، فمثلا مبادرة إعفاء سيارة للمصريين بالخارج مقابل وديعة دولارية، نجحت هذه المبادرة في جمع ما يقترب من مليار دولار تقريبا، ولكن في المقابل قام المصريون بشراء سيارات في الخارج بأضعاف هذا الرقم مما خفض من تحويلات المصريين بالخارج، سواء في الجهاز المصرفي أو في السوق السوداء..
التي لو وصلتها تلك المبالغ لما ارتفع فيها الدولار لهذا الحد، ولانخفضت الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي، ونفس الأمر حدث أيضًا في مُبادرة السماح بدخول الذهب بدون جمارك والتي نجحت في إدخال نحو 3 طن من الذهب، وكان جانب كبير منه قد تم شراؤه لحساب مصريين بالداخل قاموا بشراء الدولار من السوق الموازية من أجل شراء الذهب، مما دفع نحو رفع مُتزايد لسعر الدولار، مع الإضرار بفرصة زيادة الإيرادات الجمركية.
كما أن تسهيل إجراءات وضوابط البناء في المدن القديمة سيشجع المصريين بالخارج والداخل على التنازل عن الدولار وعدم التوجه له كوعاء ادخاري، بعد أن أثبت الواقع أن التضييق على قطاع البناء في المُدن القديمة لا يدفع الناس للتحول للمُدن الجديدة، ولكنه يدفعهم نحو زيادة الطلب على الدولار للادخار مما يعمق الأزمة.
والحل في تقديم مُبادرات لدعم الجنيه أمام الدولار لكي لايصبح الملاذ الآمن للادخار وتخفيض الفجوة بين السعر الموازي والسعر الرسمي لدرجة تسمح بالتحرير الكامل لسعر الصرف.