البديل الثالث لانتشال الجنيه
اتجاه مصر لخفض قيمة الجنيه قادم لا محالة؛ للقضاء على السوق الموازية، وتشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية، علما بأن خفض قيمة الجنيه حتى ولو بأقل نسبة سيؤدي إلى ارتفاع فاتورة الواردات، مما سينعكس بالسلب على معدل التضخم المرتفع لمستويات قياسية، ولكن اتخاذ القرار مرتبط بالتغلب على التضخم والفجوة التمويلية.
وتاريخيًا كان البنك المركزي المصري يلجأ إلى خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار قبل أن يعود إلى التدخل في السعر وتثبيته، وهو ما أدى إلى اتباع نهج متدرج في خفض قيمة العملة، الأمر الذي يستنزف احتياطيات مصر من العملة الصعبة.
كما أن التصريحات المتضاربة دفعت المصريين للاتجاه إلى الدولرة، أي الاحتفاظ بالدولار كمخزون للقيمة وتسبب الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه في معاناة المصريين من أزمة اقتصادية مركبة تتمثل في فقدانهم معظم قيمة مدخراتهم بالعملة المحلية من جهة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات أضعافا مضاعفة من جهة أخرى..
وكان هذا الضرر الكبير بدأ فعليا عقب تعويم الجنيه في نهاية العام 2016. وهوى بعدها بشكل متسارع إلى المستويات الحالية، والحال هكذا هناك عدة بدائل منها سياسة التعويم المدار أو التدريجي للجنيه المصري مقابل الدولار. هو ما يطبقه الآن البنك المركزي وهو حرية تحديد سعر الصرف وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق.
التعويم الكامل وعيوبه
وتتدخل الدولة في هذا النوع من أنواع التعويم عبر مصرفها المركزي عند الحاجة إلى توجيه سعر الصرف في اتجاهات محددة مقابل باقي العملات، أما البديل الثاني هو التعويم الحر بمعني عدم تحديد سعر عملة دولة معينة وتركه يتحرك ويتغير أمام العملات الرئيسية وفقا لنسبة العرض والطلب.
بحيث يؤدي ازدياد الطلب على العملة إلى ارتفاع سعرها والعكس صحيح، وسعر العملة هنا يكون شبيها بسعر الذهب والمعادن الأخرى، الذي يخضع إلى التغيير اليومي في الأسواق العالمية، حتى أنه قد يتغير من ساعة لأخرى.
أما البديل الثالث فهو الربط بسلة عملات، لخلق توازن واستقرار في سوق الصرف، وبالتالي لن يصبح بعد ذلك القول ما هو سعر الجنيه أمام الدولار، ولكن سيصبح التساؤل كم وحدة يساويها الجنيه أمام سلة العملات.
وفيما يبدو انه تم الاستقرار لهذا البديل وربما يتم ذلك خلال هذا العام، والسؤال أيهما أقل ضررًا وأكثر منفعة، التعويم الكامل والمفاجئ لسعر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، أم الخفض التدريجي والتعويم المدار؟ّ
ذلك أن لكل منهما مكاسبه وأضراره، خاصة في ظل تحديات جذب النقد الأجنبي، وارتفاع تكاليف الواردات والالتزامات الخارجية، والصعوبات المالية والاقتصادية العالمية المؤثرة على الأسواق الناشئة.
فالتحرير المدار لسعر العملة المحلية قد تكون له مزايا عدة للاقتصاد على صعيد كل من المستثمرين والمواطنين خاصة أنه يحمي السوق من صدمة حادة في الأسعار والتضخم، ولكن من عيوبه أن بعض المضاربين على الدولار أو حائزي العملة الأجنبية بشكل عام يفضلون الاحتفاظ بها واكتنازها في ظل توقعهم باستمرار ارتفاعها.
أما سياسة التعويم الكامل للعملة لها عيوب أيضًا لا يمكن إغفالها، أهمها تضرر المستثمرين المقترضين بالعملة الأجنبية بشدة من القفزة في سعر الصرف، بجانب ارتفاع سعر الفائدة على الجنيه لمستويات مرتفعة لفترة زمنية، حتى يتم امتصاص أثر صدمة الأسعار والتضخم، الأمر الذي يعوق أيضًا من حركة الاستثمار.
وفي كل الأحوال فإن قرار تحرير سعر صرف الجنيه لابد أن يسبقه اتخاذ خطوات جادة لإصلاح مناخ الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، واستكمال برنامج الطروحات الحكومية، والاعتماد على الأنشطة الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة والصناعة مع خفض فاتورة الواردات بالاعتماد على التصنيع المحلي، ووقف استيراد بعض السلع غير الأساسية لثلاث سنوات. والعمل على توفير وإتاحة الدولار لإزالة حالة الاختناق بالسوق.