ناصر في ذكراه!
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي حلت أمس ذكرى مولده الـ 106.. سيظل أيقونة الحلم العربي.. ولولا نكسة يونيو67.. وما جرى في عهده من اعتقالات وتعذيب وأخطاء اعترف هو نفسه بها في حينها وتعطيل التجربة الديمقراطية.. لولا تلك الأخطاء الكبرى لظل ناصر نموذجا للقائد الملهم الذي نجح في صياغة حلم قومي رحل وتركه ناقصا، لكنه ألهم شعوبًا وحركات تحرر تنشد الاستقلال في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأغلب دول العالم الثالث آنذاك.
جمال عبد الناصر، يبقى بعد أكثر من نصف قرن على وفاته، المثال الأكثر وضوحًا، والأكثر استدعاء للزعيم القومي العربي والأفريقي المناضل ضد الاستعمار والإمبريالية، التي لا تزال تحاول الهيمنة والبلطجة في عالمنا المعاصر بصور شتى، لعل أبرزها ما تفعله أمريكا التي تمنح ضوءا أخضر لإسرائيل لكى تقتل وتبيد شعب غزة بلا رحمة ولا رادع.
جمال عبد الناصر ضابط شاب، بطل معركة الفالوجة في عمق فلسطين إبان التصدي للاستيلاء الصهيوني عليها، وهي معركة صمود كشف تخاذل الحكومات العربية عن القيام بواجبها، وتفضح تزويدها لجيوشها القادرة بالسلاح الفاسد..
إنجازات ناصر وخطاياه
وهو واحد من أبرز الضباط الأحرار الذين تصدروا الصفوف لقيادة ثورة 1952 التي أطاحت بالملكية أو التبعية للمستعمر. والأهم، هو بطل التحرّر والتحرير؛ ذلك أنه اتخذ قرارًا جريئًا بتأميم قناة السويس وبنى السدّ العالي، وتصدّى للعدوان الثلاثي عام 1956، ودعا لوحدة الوطن العربي ودعم حركات الاستقلال هنا وهناك، وكان مع نهرو الهند وتيتو يوغوسلاڤيا أحد أعمدة حركة عدم الإنحياز.
ربما من أهم مآثر ناصر أنه عاش حياة بسيطة أقرب إلى التقشف منها إلى أبهة السلطان وصولجان الحكم، حتى أنه لم يترك خلفه ثروة كبيرة لكن أيام حكمه انتهت بصورة دراماتيكية فالرجل ترك البلد في حرب استنزاف بعد نكسة مؤلمة..
ورغم ما اتخذه من قرارات إصلاحية تنصف الفقراء وتوفر التعليم للطبقات الدنيا وفرص العمل لكثير من أبنائها لكن ذلك على أهميته لم يصنع نهضة حقيقية لمصر التي كانت، من حيث تعداد السكان والناتج الوطني عام 1960، ندًّا لكوريا الجنوبية..لكن أين من كوريا الجنوبية؛ فقد ارتقت الأخيرة اقتصاديًا وسياسيًا وتطورت حتى صارت في مصاف الدول المتقدمة والمنتجة.
إنجازات عبدالناصر كثيرة وأخطاؤه أيضًا وهو ما ينبغي الاعتراف به وتقبله إن أردنا قراءة موضوعية لتاريخنا الذي ما زلنا نجهل كثيرًا من خفاياه التي لم تكتب بعد.. ومن لم يأخذ العبرة من تاريخه وماضيه فلن يفلح في صنع المستقبل برؤية أكثر واقعية واستلهامًا لدروس الماضي والحاضر.
والسؤال الأهم: ماذا بقي من إنجازات ناصر.. ماذا أصاب الطبقة الوسطى التي ترعرعت في عهده بفضل ما تلقته من تعليم ورعاية صحية.. هل ما زالت هناك مجانية حقيقية في التعليم.. ماذا بقى من العدالة الاجتماعية بين الطبقات.. هل اختفى التفاوت الطبقي الرهيب بين الفقراء والأغنياء.. هل كانت إصلاحات ناصر هشة فلم تصمد في وجه الرياح العاتية للانفتاح والرأسمالية التي هبت على العالم إلا قليلًا؟!.. هذه مجرد عينة من أسئلة تحتاج لإجابات موضوعية لتعرف الأجيال الحالية تاريخنا بلا تحيز ولا تهويل ولا تهوين!