درس جنوب أفريقيا الذي لا ينبغي أن ننساه!
لن ينسى التاريخ لجنوب أفريقيا أفضالها وإنسانيتها حين بادرت باختصام إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لمحاكمتها بتهمة الإبادة الجماعية لأشقائنا في غزة، لم تخش وهي البلد الصغير عواقب ما قد ينالها من أذى لن تتورع دولة الاحتلال وداعموها من أمريكا والغرب كما صرح بذلك الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا قائلًا: “إن الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير قد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا”..
هنا انتصرت المبادئ على المخاوف.. مبادئ النضال ضد العنصرية والقمع والتدمير وقتل الإنسانية على مرأى ومسمع من عالم تبلد إحساسه، حتى اعتاد مشاهد قتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل يوميًا بالمئات في قطاع غزة، الذي خذله العرب وانتصرت له جنوب أفريقيا التي سطرت تاريخًا ناصعًا في سجل الإنسانية وهي البلد الصغير البعيد جغرافيًا عن فلسطين..
والتي لا يجمع بينهما لا روابط دين ولا لغة ولا تاريخ مشترك إنما الذي يجمعهما فقط هو الشعور بالظلم والمعاناة من العنصرية والنازية؛ فقد تحملت أفريقيا آلام الفصل العنصري من البيض حتى تحررت ونالت الاستقلال والحرية والعدالة والمساواة..
هذه هي جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا المناضل الأسمر الذي له مقولة خالدة يجدر بنا أن نسجلها هنا للتاريخ فقد قال منذ زمن بعيد.. مقولته التاريخية: "إن ثورة جنوب أفريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته".
شجاعة جنوب افريقيا
أما عائلة مانديلا فقد وجهت رسالة إلى الشعب الفلسطيني بعد عامين من رحيله، قالت فيها: "روح نيلسون مانديلا تقف مع نضالكم العادل، والتضامن مع فلسطين لن يكون عبر الكلمات والخطابات المكتوبة على الورق فقط، إنما سيكون من خلال ترجمة فعلية لقناعتنا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني على الأرض، من خلال المشاركة الفاعلة في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها"..
وصدقت عائلة مانديلا.. فقد فعلت ما هو أبعد من ذلك حين تصدت واتخذت موقفًا شجاعًا تخاذل عنه دول العرب والمسلمين؛ بالوقوف في وجه الصهيونية المدججة بالسلاح والدعم الأمريكي غير المحدود.. هذا درس عظيم في الانتصار للإنسانية والمباديء والاتساق مع النفس والشجاعة تقدمه جنوب أفريقيا لأمة المليار..
التي اجتمع حكامها وقادتها في قمة تأخرت أكثر من شهر من العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة واتخذت توصيات لا تساوي الحبر الذي كتبت به، إذ ظلت حبرًا على ورق؛ فلا هي أوقفت العدوان ولا كسرت الحصار ولا أغاثت المنكوبين والأبرياء، ولا هددت بقطع العلاقات مع الاحتلال ولا سحبت السفراء..
كل ما فعلته أن انضمت لتأييد دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ذرًا للرماد في العيون، وحفاظا على ماء الوجه الذي لا أدرى ما بقى فيه.. جنوب أفريقيا قدمت دروسًا في المصداقية والأخلاق والشهامة والنظام والدقة وقوة الحجة في عرض القضية على هيئة المحكمة الدولية، بل لم يكتف ممثلوها بهذا العمل الخلاق..
لكنهم عقدوا مؤتمرا صحفيًا لتفنيد الدفاع المتهافت لدولة الاحتلال أمام المحكمة، التي ينتظر أحرار العالم أن تصدر قرارها بوقف جرائم الإبادة بحق أشقائنا في غزة، ومثل هذا الإجراء سيكون مردوده عظيمًا حتى ولو لم تمتثل له إسرائيل كما هو متوقع..
ومن ثم ستصبح إسرائيل دولة مارقة أمام العالم، لتخسر ما تبقى لها من دعم دولي وأخلاقي لتصبح عارية معزولة تجر أذيال الخيبة وآلام الهزيمة والانكسار، الذي تقاعس العرب عن استثماره لإنهاء أسطورة وهمية تسببت في تفرقهم وتشرذمهم وهزيمتهم النفسية رغم أنها أوهي من بيت العنكبوت.. فاعتبروا يا أولى الأبصار!