التجسد الإلهى
تجسد ابن الله واتمامه الفداء، هذا سر عظيم معلن في الكتاب المقدس وهو أن أقنوم الكلمة أو الابن تجسد في الزمن المحدود، كما صرح بقوله: "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (يو14:1). وهنا نتسأل بعض الأسئلة حول موضوع التجسد الإلهى:
أولا، ماذا كانت غاية الله فى اجراء هذا السر الفائق؟ والإجابة هي لكى يعلن صفاته وذاته وطبيعته اعلانًا ايجابيًا كليًا ونهائيًا. “ويأكد لنا الوحى بقوله الله لم يره أحد قط” ولكن ذلك الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب منذ الأزل وعلم بكل صفاته، واختبر طبيعته إذ كان عمله الخاص أن يعلن الله لانه الكلمة وقد أعلنه فأنه لما تجسد وعاش بين الناس عيشة حياة الصلاح الكاملة، حملهم على أن يفهموا بطريقة حسية صلاح الله وكماله، وكيف يكون الإنسان صالحًا كالله..
لهذا نرى مجد الله الحقيقى فى وجه يسوع المسيح له المجد، أى صفاته وحياته وخدمته اليومية، وعلى ذلك قوله المبارك أنه "بهاء مجده ورسم جوهره" فالسيد المسيح إذا هو الإعلان النهائى المعطى لتعليم البشر عن صفاته الإلهية الذى لا يقدر أحد أن يزيد عليه أو ينقصه "ذلك لان يسوع المسيح هو هو امسًا واليوم وإلى الأبد" (عب 8:13).
والغاية الثانية هى تجسد أقنوم الكلمة ألا وهى أظهار محبة الله الفائقة للجنس البشرى لانه بواسطة تجسده قدمه الله ذبيحة كافية عن خطاياهم، لان يسوع اذ كان كلى القداسة والهًا كما هو إنسان أصبحت ذبيحته عظيمة عن خلاص العالم كله ونجد البراهين الكتابية وهى “وهو مجروح لأجل معاصينا لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا” (أش 5:53).
وعليه تكون ذبيحة المسيح أعظم مظهر لمحبة الله وعلى ذلك قوله "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"، وقوله أيضًا "ولكن الله قد بين محبته لنا لانه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا"..
الله القدوس في ملء ثالوثه أبرز إلى العالم الشهادة سر محبته الفائقة فدبرطريق الخلاص بصفته أقنوم الآب، إذًا نرى كما قال الكتاب "ليس بأحد غيره (يسوع) الخلاص، لان ليس إسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس، به ينبغى أن نخلص" وشهد عنه يوحنا المعمدان قائلًا "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم كله" (يو29:1).
ثانيا، هل تعرفون آية تثبت أن الله القدوس قد تجسد؟ الإجابة، أكيد لان الله الأزلى ظهر فى الجسد "مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزال" (ميخا 2:5). قد تجسد فى إبنه الوحيد يسوع المسيح "عظيم هو سر التقوى الله فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به فى العالم، رفع فى المجد" (1 تيموثاوس 16:3). والإسم الذى سمى به هو الكلمة بعد التجسد يسوع وكلمة يسوع أى يخلص، يخلص شعبه من الخطايا، ولقبه المسيح..
كل إنسان يحمل أسمًا أو أسمين على أكثر تقدير، ولكن مولود بيت لحم سمته النبؤة بأسماء كثيرة وألقاب عديدة لأنه ليس إنسانًا عاديًا ولكنه ابن الله المتجسد، ولهذا نؤمن أن ذلك الإنسان المولود في ملء الزمان المدعو عمانوئيل..
حينما تكلم إشعياء النبى عن سر التجسد قال: ولكن يعطيكم السيد الاب نفسه آية "ها العذراء تحبل وتلد أبنًا وتدعو أسمه عمانوئيل" (أش 14:7). وكلمة عمانوئيل أى الله معنا تعنى وجود الله وسطنا وبجانبنا هو يرانا ويسمعنا ويحس بنا ويتعايش معنا ويشاطرنا مواقف حياتنا ويتحمل مسئوليتنا كأب حقيقى..
ثالثا، أيوجد دليل على الأقنوم الثالث؟ فالإجابة هي نعم، أقنومية الروح القدس ظاهرة من كلمة الله.. لان أشعياء النبى يقول "ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدوًاوهو حاربهم" (أش 11:63). ويقول القديس بولس الرسول "لاتحزنوا روح الله القدوس" ( أفسس 30:4 ).
ومن الاكيد أنه اذا كان الروح قوة أو صفة أو شيئًا من الأشياء غير العاقلة لايمكن أن يحزن أويفرح فلابد اذًا أن يكون أقنومًا.. ثم نقرأ أيضًا فى سفر الأعمال وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس للرسل "أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه" (أع 2:13).
رابعا، ماهو عمل الروح القدس؟ الإجابة هي أن الروح القدس هو العامل فينا.. وبتجديد النفوس المختارة وتوبتها كما نرى فى قوله "ولكن حين ظهر لطف الله مخلصنا واحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس" (تى 4:3).
ثم أن نعمة الإيمان التى ينعم بها الله على البشرية لأجل الخلاص هى من عمل الروح الذى يعمله داخل قلوبهم، وهو الذى يقدس حياتهم حتى يموتوا بالتدريج عن خطاياهم (التوبة) ويحيوا للبر وعلى ذلك قوله "أن الله أختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق" ( 2 تسالونيكى 13:2). الروح القدس هو العامل فينا.. فى تبليغ الحق والعدل فى قلوب البشرية وتبكيت العالم كله على الخطية ( يو8:16).
ويمد المؤمنين بالقوة والعمل ويرشدهم ويقودهم إلى الصلاح وينشئ فيهم ثمار الروح كالمحبة والفرح والسلام.. الخ كما أكد عليها القديس بولس الرسول فى رسائله، ولا يمكننا أن نفهم كلمة الله فهمًا صحيحًا إلا بأرشاد الروح القدس (1 كورنثوس12:2).
ويعلمنا كيف نصلى كما ينبغى ويشجعنا على الشهادة لأجل المسيح ويجعل لها نفوذًا وقوة التى يعمل بواسطتها الروح التى هى كلمة الله ودعى (الروح القدس) لأن القداسة طبيعته وينشئها فى المؤمنين فمبارك إسمه القدوس الذى منحنا روحه حينما نطلبه بالصلاة كما يدل على ذلك قوله "فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحرى الآب الذى من السماء يعطى الروح القدس للذين يسألونه " ( لوقا 13:11 ).
وأختم مقالى بكلمة المسيح هو الرب حسب ماجاء على لسان الملاك جبرائيل للرعاة "ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" ( لو 11:2 ).