وبالناس المسرة
معناها أن الرب صار مسرورًا بالإنسان، فبعد أن سقط الإنسان وفقد كرامته الأولى وإنفصل عن الله والحياة والسعادة، لم يكن ممكنًا أن يهمله الله أو يتركه للموت والفناء، بل تجسد ليفديه ويخلصه من أثامه من حكم الموت ومن فساد الطبيعة ويجعله إبنًا لله وشريكًا فى المجد العتيد.. هنا صار الله مسرورًا بالإنسان، الإنسان المُفتدى.. الإنسان المُقتنى.. الإنسان الراجع إلى أصله.. حيث الله والمجد والقداسة والخلود.
متى يُسرالله بنا
لا شك أن الله حينما خلق الإنسان كان يهدف أن يكون إبنًا محبوبًا لديه، يسعد بحبه، وينتهى إلى حياة أبدية خالدة معه.. وهذا لا يتأتى إلا من خلال مراحل تكاد تكون محددة وواضحة المعالم أهمها:
أولا، التوبة، وهى باب السماء والطريق الوحيد إلى الله وهى ببساطة عودة القلب المُشتعل بالهموم والخطايا والبعد إلى حضن الآب السماوى.. التوبة هى صحوة، فكلمة تاب = ثاب أى عاد إلى رشده وصحا من نومه.. والإنسان حينما يتوب يكون ذلك نتيجة مقارنة هادئة بين الحياة خارج نعمة الله وحبه، والحياة داخل دائرة الله وبيته..
ومن هنا يختار الإنسان ببساطة أن يعود إلى حضن المسيح ليشبع بالحب وليأمن من خطرعدو الخير وليتقدس كيانيًا بعمل روح الله. يعود إبنًا يلبس خاتم البنوة ويرتدى ثوب البر ويشبع بالجسد والدم الأقدسين ويتمتع بجماعة القديسين.
التوبة لا تعنى عدم الخطية بقدر ما تعنى كرهها والإنتصار عليها بنعمة الله وأمانة الجهاد الروحى. فوصية معلمنا يوحنا واضحة: "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا.(هذا هو جهادنا اليومى وقصدنا الدائم).. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا." ( 1يو 2،1:2 ).
إذن.. فجهادنا الرئيسى أن لا نخطئ لكن إذا حدث خطأ فباب التوبة مفتوح. والمؤمن يكره الخطأ لأنه يحس بمجرد سقوطه بما فقده من سعادة تفوق لذة الخطية وعسلها المسموم.
ثانيا، الشركة مع الله، التوبة لا يمكن أن تكون وحدها بل يجب أن يكون هناك شركة مع الله من خلال الصلاة.. بالأجبية التى يتحد فيها بأحداث حياة الرب يوميًا من القيامة إلى حلول الروح القدس إلى الصلب إلى الموت إلى إنزال الجسد المقدس ثم دفنه ثم إنتظار المجئ الثانى..
يشبع فيها المؤمن بصلوات هى عصارة قلوب كثيرة مثل داود وغيره ممن كتبوا المزامير خلجات حب وأنين قلب.. الصلوات السهمية: كصلاة (ياربى يسوع المسيح إبن الله إرحمنى أنا الخاطئ) أو (اللهم إلتفت إلى معونتى)..
والشركة مع الله تعنى أن أسمع صوت الحبيب من خلال كلمات النعمة التى صدرت من فمه (الكتاب المقدس) الذى فيه أسمع صوته وأتعرف على مواعيده وأحس بتعاملاته اليومية مع رجال الله..
ولكن قمة الشركة مع الله تتم من خلال الإفخارستيا حيث يتحد الإنسان بالرب ويثبت فيه من خلال التناول من جسده ودمه الأقدسين.
ثالثا، العضوية الكنسية، فلا يمكن أن يتحد عضو بالرأس ولا يتحد بباقى الأعضاء ليتكامل الجسد ويقوم بوظائفه الكنسية والعامة بمعنى أن لكل عضو وظيفته الخاصة ولكن الجسد كله له وظيفة عامة هى الشهادة للرب فى العالم لإضافة المزيد من الأعضاء والمزيد من وارثى الملكوت..
لهذا فالكنيسة تحتضن العالم فى حب، وتشهد له فى أمانة وتحس بمسئوليتها نحو الإنسان والإنسانية بصفة عامة.. ومن هنا يرتبط المؤمن بكافة الأعضاء فى الجسد المقدس سواء الأعضاء السماوية كالقديسين (الذين نقرأ سيرهم وندرس أقوالهم) أو الأعضاء المجاهدة على الأرض فنخدم بعضنا بعضًا.
رابعا، القداسة، ونعنى بها تكريس وتخصيص القلب لله، فكلمة قدش بالعبرية، أو أجيوس باليونانية معناها المفروز لله أو المخصص لله، وكان الكاهن يضع علي عمامته علامة مذهبة مكتوب عليها قدس للرب، بمعنى أن هذا الإنسان أصبح مخصصًا لله ولخدمته.
لهذا فالمؤمن هو الإنسان الذى يخصص قلبه للرب حبًا وقداسة وجهادًا "وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ" (عب 14:12). "بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ».(1بط 16،15:1). لأن "لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ." (1تس 3:4 ).
خامسا، أمجاد الملكوت، لا شك أن من عاش فى كل ما سبق من توبة وشركة مع الله والقديسين والقداسة لا شك إنه سيصل إلى أمجاد الملكوت المتعددة مثل تغيير الجسد، إذ يطرح الجسد الترابى ويلبس الجسد النورانى جسدًا روحيًا نورانيًا سمائيًا كجسد الرب فى القيامة "الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ" (فى 21:3). لا مرض لا خطية لا موت.
والجلوس في عرش الله: (مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ.) رؤ 21:3. تصور معى.. مكانتنا فى السماء ومركزنا فى أورشليم السمائية.
وأخيرا، الحياة الأبدية.. لأننا سنستمد الحياة من الرب الحى إلى الأبد الذى وعدنا قائلًا: (إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ.) يو 19:14. ويعد هذا هو طريق وبالناس المسرة، إن فرحة الرب تكمن فى أن يرانا متمتعين بخلاصه سعداء بحبه منتظرين أبديته.