الفن وسنينه
لا تغضبوا من محمد إمام!
أثار الفنان محمد إمام حالة من الجدل والغضب في العرض الخاص بأحدث أفلامه أبو نسب بطولته مع ياسمين صبري وماجد الكدواني تأليف أيمن وتار وإخراج رامي إمام، والذي أقيم بأحد مولات أكتوبر، والسبب رفضه القاطع للإدلاء بأي أحاديث أو تصريحات للصحفيين ومراسلي المحطات الفضائية، وذلك على خلاف باقي الفنانين وصناع العمل..
وهو ما جعل هؤلاء يتهمونه بالتعالي والغرور وعدم احترام مهنة الصحافة والإعلام، وهذا ما جعلنا نعيد فتح ملف الفنانين وعلاقتهم بالميديا وبالتحديد أولئك المعروف عنهم مقاطعتهم لها تمامًا والذين علاقتهم بها محدودة أو متوترة.
ولا شك أن الصحافة والإعلام مهمان جدًا بالنسبة للفنان والمفترض أن العلاقة بين الطرفين علاقة
تكاملية لا يستغنى أحدهما عن الآخر، فالإعلام مرآة للفنان وموجه له ووسيط بينه وبين الجمهور والفنان مصدر ثري ومهم للإعلام يحتاجه دايمًا، ومن ثم عندما لا يوجد تواصل بين الطرفين أو يصبح شبه منعدم فبالتأكيد هناك شيء ما غير طبيعي.
من عتريس إلى الهضبة
الحقيقة التي لا يعلمها الكثيرون أن الفنان محمد إمام خجول بطبعه ولا يجيد الحديث مع وسائل الإعلام، ويشعر بالارتباك عندما يدلي بتصريحات أو يجري حوارًا صحفيًا أو تليفزيونيًا، ومن ثم يفضل الابتعاد عن الإعلام رغم الاتهامات له بالتعالي والغرور ليس على الإعلام فقط بل وعلى الجمهور الذي من حقه أن يعرف أخباره..
ولهذا فهو يكتفي بنشر صوره وتعليقاته عليها عبر منبره الوحيد إنستجرام والذي شكر فيه جمهوره على إقباله الكبير على فيلمه الجديد أبو نسب وتحقيقه إيرادات قوية منذ بداية عرضه من أيام قليلة جدًا.
وفي تاريخ الفن حالات مشابهة لنفس حالة إمام الصغير ممن ابتعدوا عن الصحافة والإعلام منذ بداياتهم لذات السبب، لعل من أشهرهم العملاق محمود مرسي أو عتريس السينما الذي عرف عنه امتناعه عن التعامل مع الصحافة والإعلام طوال مشواره الفني وله مقولة شهيرة يقول فيها: أقاطع الصحافة توفيرًا لطاقتي الذهنية والبدنية، ويضيف: الناس بتشوف أعمالي في التليفزيون والسينما وتسمع مسلسلاتي عبر الراديو فلماذا إذن أتكلم في الإعلام؟!
وعلى نفس المنوال والمنهج سار عدد من نجوم الفن.. عبلة كامل التي نادرًا ما تجد لها تصريحًا صحفيًا أو حوارًا تليفزيونيًا، وقد حاولت بالفعل معها عدة مرات فاعتذرت لي بلطف وود وخجل شديد..
وكذلك الهضبة عمرو دياب الذي لم أحصل منه إلا على حوارًا صحفيًا سريعًا عندما كرمته مجلتي العزيزة كل الناس في منتصف التسعينيات، وهو معروف عنه رفضه القاطع للحوارات والأحاديث الصحفية والتليفزيونية منذ سنوات طويلة، ومن ذات النوعية من الفنانين الفنان المحترم توفيق عبد الحميد.
هناك نوعية أخرى من الفنانين مشهورين بقلة وندرة تصريحاتهم الصحفية والتليفزيونية منهم
الراحل القدير شكري سرحان الذي ابتعد تمامًا في سنوات حياته الأخيرة عن الصحافة والإعلام وآثر الاعتكاف في منزله والتفرغ للعبادة، والزعيم عادل إمام كان مقلًا تمامًا في حديثه للصحافة والاعلام إلا لدائرة ضيقة جدًا كنت واحدًا منهم، وكذلك الراحل العظيم نور الشريف والفنان حسن حسني..
والنجمة شريهان كانت من هذه النوعية ولا تتعامل إلا مع قلة محدودة بعينها من الصحفيين، وكنت والحمد لله من هؤلاء وأجريت معها عدة حوارات كان أخرها قبل تعرضها لمحنة المرض الشديدة في أواخر التسعينيات مباشرةً، وكان سبب ندرة تعاملها مع الصحافة فقدانها الإحساس بالثقة في كل شيء من كثرة ما واجهت من مشاكل وحوادث ومحن منذ بدايات مشوارها الفني، وكان هذا نفس منهج الفنانة نادية الجندي لسنوات طويلة.
أما عن فناني الجيل الحالي المقلين في الصحافة والإعلام فمنهم.. نجم الكوميديا أحمد حلمي الذي يرى أن أعماله السينمائية هي من تتحدث عنه، ويلجأ أحيانًا إلى إكس وإنستغرام إذا أراد التعبير عن رأيه في قضية أو موضوع مثار في هذا الحين..
ولا يختلف الحال كثيرًا مع النجوم أحمد عز وأحمد السقا وكريم عبد العزيز وكذلك النجمة ياسمين عبد العزيز، ومي عز الدين التي ابتعدت تمامًا عن الميديا في السنوات الأربع الأخيرة بدون إبداء أسباب سوى تفرغها لفنها ولرعاية والدتها المريضة شفاها الله كما أسرت إلى بذلك، والفنان هاني سلامة أكد لي أنه قرر الاكتفاء بالتواصل مع الجمهور من خلال حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي فقط وأخيرًا انضم الفنان أحمد آمين إلى هذه القائمة.
سيطرة السوشيال ميديا
خلاصة القول أنه بصرف النظر عن الفنانين الذين يقاطعون الصحافة بأنواعها لخجلهم وعدم إجادتهم للحديث، والذين هم مقلون في التعاطي معها بدواعي النجومية وتعزيز الذات، أو لاعتقادهم أن اعمالهم هي من تتحدث عنهم فإن العلاقة بين الصحافة والصحفيين وأهل الفن تمر بأضعف عهودها في السنوات الأخيرة..
وذلك على خلاف ما كانت من القوة والتكامل والتوازن في عهود وعقود سابقة كثيرة بوجود
صحفيين تاريخيين أسسوا لتلك العلاقة، أمثال محمد التابعي ومصطفى وعلى آمين وجليل البنداري ثم إحسان عبد القدوس فمفيد فوزي ونبيل عصمت وغيرهم الكثير..
وأسباب ذلك الضعف عديدة ومتشعبة ولا يتسع المجال لحصرها ومنها أسباب تتعلق بالمهنة وأخلاقياتها وأخرى بالكفاءة والمصداقية، وهناك أسباب اقتصادية أيضًا وهذا يخص مهنة الصحافة، أما بالنسبة للفنانين فأرى أن ظهور وسيطرة السوشيال الميديا على كل نواحي حياتنا كان أهم
الأسباب وأقواها وراء تراجع العلاقة بين الصحافة والفنانين..
حيث صار معظم الفنانين يفضلونها ويعتبرونها الوسيلة المثلى والأكثر انتشارا وتأثيرًا، ومن خلالها يستطيعون بطريقة أسهل الوصول إلى جماهيرهم التي بالملايين ويلقون إليهم ما يريدون إيصاله لهم دون احتمالية التحريف أو التأويل..
كما أنهم يعلمون جيدًا أن الصحفيين يسارعون إلى اقتباس ما يغرد به الفنانون على صفحاتهم وينشرونه على أنه بمثابة التصريحات! ولا عزاء لأهل الصحافة والإعلام والميديا.. وكل عام وأنتم بألف خير بمناسبة العام الجديد.