دفتر أحوال النصر العظيم
اليوم الرابع
يعلن المخرج.. ثلاثة.. اثنان.. واحد.. هواء.. يطل الإعلامى الكبير فى الوزن والحجم لينصح الأمة، ويكشف للناس ما لا يعرفونه.. حماس ارتكبت مذبحة ضد الأبرياء.. وحماس اختطفت المدنيين.. وحماس تضحى بشعب فلسطين من أجل وهم وخداع.. حماس التى تقاتل لم تبنِ مخابئ للناس.. حماس تضحى بالبسطاء مقابل خدمات لإيران!
ويستمر الإعلامى الكبير فى استعراض لا يحكمه إلا مفهوم العلف، ومفهوم العلف هذا لا علاقة له بمفهوم الشرف.. فمفهوم العلف يحسب للدنيا حسابات الأكل والاستسلام.. مجرد أناس يعلفون وتزداد سمنتهم كما الخراف، وهؤلاء لا يعرفون عن مفهوم الشرف إلا أنه مجرد شعار.
وهواة العلف تجدهم وقد تكرشوا وتدوروا، وأصبحوا كخراف التسمين فى مزارع الأغنام ومربى العجول أما أصحاب الشرف فإن الموت عندهم يستوى مع الحياة، بل يصبح الموت ملجأ وملاذا من حياة العلف.. أصحاب الشرف لا يعيشون حياة الخراف والنعاج والبقر.
وهواة العلف مجبولون على حياة الترف، يعيشون فى القصور وينعمون بملذات الحياة ويتنافسون على نوع الطعام ولذة الشراب ويكتنزون المال ويدخرون من أطايب الطعام ما يظنون أنه الحياة ولا حياة بدون العلف اليومى.. يقضون الساعات على موائد النهب وحفلات شواء كل شيء من الأنعام إلى أطفال غزة!
اليوم الثالث
تكتظ شوارع عمان بالثائرين، وتمضى التظاهرات إلى مقر سفارة دولة الذبح الكبرى، تحاصر الجماهير مقر سفير أمريكا وتطالبه بالرحيل من بلد يرفض قتل الأطفال والنساء والشيوخ فى غزة الأبية، ترتفع أصوات الغاضبين تزلزل سفارة العدو الأمريكى وتبث رسالة نارية ضد القاتل العربيد فى البيت الأبيض.
فى عواصم العالم الحر تمتد المسيرات لآلاف الأمتار تندد وتصرخ مع الإنسانية ضد تتار الاحتلال وأعوانه فى بريطانيا وألمانيا وأمريكا وإيطاليا.. تمضى المسيرات وهى تحمل أعلام بلد ظن العرب أنه أصبح نسيا منسيا، فاكتظت عواصمهم بالاحتفالات والمهرجانات ومسابقات ملكات الجمال.
لا يزال الغرب القابع تحت نير الصهيونية يحمل من مشاعل النور ما يدفع أهله للاحتجاج والرفض وقول الحق.. كل المنادين بحرية فلسطين ليسوا عربا، فالعرب سئموا القضية وملوا من صداعها وإصرار أهلها على الاستمرار فى طريق الرفض والصمود.
عواصم الغرب ترتفع فيها رايات فلسطين، وعواصم العرب ترزح تحت نير محتل يرفض مجرد التعاطف.. يرفض حركة التاريخ الإنسانى.. يرفض مجرد صراخ شعوب تكتوى كل يوم بنار المشاهد الدموية القادمة من قلب غزة، وغزة لا تزال تمنحنا كل الكبرياء وكل الصمود وكل الأمل.
اليوم الثاني
على مقاهى وسط البلد وعلى نواصيها وشوارعها وحواريها تنتظر الجماهير وجهه الملثم.. ذلك الوجه الذى أضاء من خلف كوفيته مساحات من الظلام الساكن فينا منذ عقود.. يخرج علينا أبو عبيدة بصوته الجهورى ليعلن لنا نحن المهزومين فى أعماقنا أخبار انتصار وعزة وصمود.
يقول أبو عبيدة: تمكن مجاهدونا بعون الله من إصابة العدو إصابات مباشرة، وأوقع مجاهدونا جماعة من جنود العدو بين قتيل وجريح.. لا يكتفى صاحب الوجه الملثم بالكلمات، ويبث صورا من وقائع العزة والنصر.. تتمدد الجماهير أمام الشاشات وهى تردد أدعية النصر والعزة لأهل غزة.
لم يعد نمبر وان هو ذلك المشخصاتى الذى يهوى أنواع السيارات الفخمة والملابس النسائية الناعمة.. أصبح أبو عبيدة ملاذ البسطاء والمناضلين والثائرين.. أصبح أيقونة غزة التى تمنحنا العزة بعد عقود من الانكسار والهزيمة والذل.. أصبح أبو عبيدة الاسم المفضل لدى حوامل الوقت الراهن.
ينتهى أبو عبيدة من بيانه الصادق ليعلن بعدها جيش الاحتلال عن انسحاب قوات النخبة بعد أن خسروا ربع قوتهم تحت مقصلة المقاومة.. ينتهى أبو عبيدة من بيانه ليملأ بكلماته نفوس الناس بإرادة فولاذية، فنحن قادرون على الفعل وقادرون على الصد والرد والانتصار.
اليوم الأول
قالوا إن إيران هى شعلة الشر فى المنطقة، وقالوا إن حماس إرهابية.. قالوا وما أكثر ما قالوه غير أن الواقع أفرز نتائج مدهشة على الأرض.. إذا كانت إيران أم الشر وهى المتهمة بدعم حماس، وإذا كان العرب هم الأخيار وقد باعوا غزة فمع من نقف؟!
أصبحت حماس بفعل الواقع صاحبة الشعبية الأولى بعد أن اكتسبت شرعية شعبية تعدت حدود فلسطين وعبرت إلى حدود عربية ليس لها آخر.. ضاعت فتح التى كانت أعظم منتج ثورى فى تاريخ القضية الفلسطينية بعد أن شاخت فى مواقعها وتجمدت فى مواضعها وقفزت حماس إلى عرش القلوب.
أصبحت حماس صاحبة الشرعية وجمعتها مفاوضات بالقاتل الأول فى واشنطن وبالقاتل الثانى فى تل أبيب، وفرضت شروطها ولا تزال تملى على المتكبرين إرادتها، وتحولت إيران إلى رقم كبير رغما عن الجميع، وحظى الحوثيون بما لم يحظوا به فى تاريخهم.
إن للواقع إفرازه، ومن يتجاهله يصبح جزءا من الفعل الماضى، والعالم لا يعرف إلا المضارع، لا يعرف إلا الفعل الحاصل على الأرض، فمن تخلف عن الحاضر أصبح مجرد ماضٍ لا يغير فى المستقبل ولا يشكل حاضرا، ويدخل فى دائرة النسيان.