هل يتحمل الناس تخفيضا جديدا للجنيه؟!
بالطبع ليس وضعا صحيحا أن يكون لدينا أكثر من سعر للجنيه المصرى، وأن تكون لدينا سوق سوداء للعملة يسميها البعض تدليلا بالسوق الموازية، لأن ذلك يربك الاقتصاد ويصيبه بخلل شديد وكبير ويبعد عنه الاستثمارات الوطنية والأجنبية، لكن في المقابل فإن تخفيض الجنيه لدى البنوك بما يفوق سعره في السوق السوداء لن يحل مشكلة شح النقد الأجنبي والفجوة الموجودة فيه.
بل إنه في ظل هذا العجز سوف يحفز السوق السوداء لمزيد من التخفيض للجنيه ومزيد من رفع سعر الدولار، وقد جربنا ذلك من قبل حينما قمنا بتعويم الجنيه أكثر من مرة وظلت الأزمة قائمة، ولم نتخلص من السوق السوداء، وكل ما جنيناه هو مزيد من العجز في الموازنة وارتفاع في التضخم بلغ 34 في المائة الشهر الماضى.
وهو ما أرهق الأغلب الأعم من المواطنين الذين لم يعودوا قادرين على تحمل هذا الغلاء، وبالتالى لن يكونوا قادرين على تحمل مزيد منه مستقبلا إذا ما عومنا الجنيه وخفضنا سعره لدى الجهاز المصرفي.
إن القيام بتعويم الجنيه وتخفيض سعره لا يحل أصل الأزمة وهى الفجوة في النقد الأجنبي التى يعاني منها اقتصادنا منذ سنوات طويلة، وكنا نسد هذه الفجوة بالأموال الساخنة، لكن هذه الأموال الساخنة هجرتنا وعمقت من أزمتنا العام الماضى، وليس من الحكمة أن نعاود الاعتماد عليها مستقبلا.
ولذلك ليس أمامنا سوى أن نسد الفجوة الدولارية بأنفسنا. وكما كتبنا كثيرا يتحقق ذلك بتخفيض انفاقنا من النقد الأجنبي ليتناسب مع مواردنا منه والعمل على زيادة هذه الموارد.
وهذا يقتضي إجراءات شجاعة لتخفيض وارداتنا من الخارج، وتحمل ذلك لعام كامل حتى نتخطى هذه الأزمة التى جربنا تعويم الجنيه لحلها منذ حكومةَ عاطف عبيد وحتى حكومة مصطفى مدبولى ولم نتخلص من هذه الأزمة حتى الآن.. كما يتعين استثمار الوضع الدولى الحالى والمطالبة بجدولة ديوننا الخارجية مع التوقف عن الاقتراض من الخارج إلا للضرورة القصوى فقط.