والحكام أيضًا يطالبون!
يخبرك من شهد الوقائع، وقد شهدناها معهم، أن القابعين فى أروقة الحكم العربية يولولون ليلا ونهارا بأن الجاثمين على صدر قضية الأمة يقتلون الأطفال وينسفون النساء، ويزيد الخبر تفاصيل بأن الصهاينة يتعاطون المذابح والمجازر وجرائم الحرب يوميا كفنجان قهوة صباحية، ويصنعون من بقايا الشهداء تمائم تزين صدورهم.
ويقول الحاكم العربى إنه يطالب ويطالب ويطالب بوقف ليس عاديا، بل فورى، وتزيد نخوة القابعين على صدور أوطانهم فيمنعون شعوبهم من مجرد الخروج للتنديد بما يفعله جزارو العصر الحديث، وعواصم العالم التى تغذى القتل وتدعمه وتموله خرجت عن بكرة أبيها تندد، ونحن الممنوعون من مجرد التنديد.
ويزيد الطين بلة أن حقن المواطن العربى بمآسى أهلنا فى غزة والضفة يغذى فينا الرغبة فى أن نصبح إرهابيين، وأن نمارس القتل دون وخزة من الضمير، وأن نقتل كل من يقابلنا من غرب لا تزال شعوبه تقاوم ما لا نستطيع مقاومته، ويسبون حكامهم المتورطين فى الدم البريء.
ويقول العدو إنه جاء للقضاء على حماس، دون أن يدرى أنه حوَّل المنطقة العربية والإسلامية كلها إلى حماس، فإن كانت حماس التى تقاوم احتلالا غاشما إرهابيا فإننا نفخر بأننا جزء من تلك المقاومة حتى لو وصمنا الجزارون بأننا إرهابيون.. أهلا بالإرهاب إن كان يعنى المقاومة.
ويقول ساكنو القصور إن المشاهد التى يرونها تؤرق عيونهم وتحول بينهم وبين نوم هادئ وديع وهم المشاركون، كما شارك المجرم بايدن ومعه القاتل سوناك والمجرم شولتس والمتراجع ماكرون، كلكم شركاء فى القتل والذبح والتدمير، فأكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية تطالب مثلما تطالب نساء قريتنا بوقف الحرب.
الشعوب قالت كلمتها
وفى الوقت الذى استيقظت فيه شعوب العالم واستعادت ضمائرها وخرجت فى مظاهرات حاشدة تحاصر البيت الأبيض وقصر الإليزيه وداوننج ستريت، قالت النرويج كلمتها، واستعادت بلجيكا صوتها، وقال أردوغان أنشودته الصادحة ضد الباطل الصهيونى المتمدد فى عواصمنا.
قتلانا شهداء، وقتلاهم قتلى، لأننا أصحاب الحق، وهم أصحاب الباطل، ولأننا نناضل لتحرير وطن وهم يقتلون لاحتلال القلب العربى والإسلامى. قتلانا فى غزة شهداء لأنهم يخوضون معركة الأمة وحرب الحق، ويجاهدون نيابة عنا، ويدفعون الثمن بدلا منا، فهم وحدهم الأحرار، ونحن المستعبدون فى الأرض.
من قال إن غزة محتلة وإن عواصمنا مستقلة فهو واهم.. لا استقلال لعواصم صمتت عندما قال لهم نتنياهو موجها خطابه مباشرة: «من أراد الحفاظ على مصالحه فليصمت».. صمت الجميع ولم ينطق واحد منهم ببنت شفة، ولم يرد أى منهم حرصا على مصالحهم التى كنا نتوهم أنها مصالحنا.
غير أن العواصم العربية ليست عاطلة ولا تعانى البطالة، فقد تسابقت فى تزاحم وتنافس وتقاتل للإفراج عن رهائن وأسرى الكيان الصهيونى، ولم يذكر أى منهم أكثر من عشرة آلاف معتقل فلسطينى يقبعون فى سجون الاحتلال، وتفاخر بعضهم لأن واشنطن تشير إلى أدوارهم ونشاطهم المحموم من أجل الإفراج.
وليتهم أفرجوا عن شعوبهم التى تعيش سجونا بأسوار على امتداد حدود الوطن العربى الكبير، وليتهم أفرجوا عن طاقات شبابهم فهى وحدها كفيلة بتحرير الأوطان كلها لتزحف وتحاصر الكيان المحتل وتطارده ليعود حيث جاء، فقد نجح ألف مقاتل وحدهم فى تحريك جيوش الإمبراطوريات لإنقاذ الكيان الهش.
ليتهم لا يشاهدون الصور المتناقلة عبر الفضائيات للأطفال المذبوحين تحت الأنقاض والنساء المقتولات تحت الركام والشباب المتطايرة أجسادهم بين بقايا البيوت والشيوخ الذين يهربون بعكاكيزهم وهم يتساقطون على طرقات يحاصرها الموت القادم من كل اتجاه..
إنهم إن شاهدوها ولم يتحركوا تركوا فينا يقينا أننا بحاجة إلى تحرير أنفسنا وتطهير قلوبنا وغسل أدمغتنا لأنهم يخطبون فينا باسم الوطنية، بل إنهم هم من يملكون صكا للوطنى وصكا للخائن، وهم بيدهم كل شيء، بيدهم المنع فمنعونا من الخروج، ويملكون المنح فلم يمنحونا يقينا بأنهم على قدر المسئولية الإنسانية والتاريخية.
وينبؤنى يقينى أن غزة ستكون عاصمة الخلاص من كل عتيد، وعاصمة الاستقلال، وعاصمة سقوط الأقنعة، وعاصمة التغيير، وعاصمة اليقظة، وبدء المشوار نحو وطن عربى أكبر من مطالبات وولولة السلاطين وصرخات المهزومين فى بلادنا التى كانت عربية.