رئيس التحرير
عصام كامل

حكاوي زمان، يوسف إدريس يحذر من التليفزيون: المدرسة الأم الأولى والمعهد الأب العالى

حكاوى زمان، فيتو
حكاوى زمان، فيتو

فى كتابه خلو البال، كتب الأديب الدكتور يوسف إدريس -رحل 1991- مقالا بعنوان: رب الأسرة الحقيقى، قال فيه: 

القرار الذى اتخذه الصديق الكبير يوسف السباعى لدى توليه وزارة الإعلام، وهو جعل التليفزيون يخصص ساعة كاملة من وقت إرساله للأطفال، يبدو مجرد إجراء وزارى جديد، لكنه فى الحقيقة فى حاجة إلى وقفة. 

 

إن المسألة فى رأيى قد خرجت عن حدود التليفزيون كوسيلة تسلية أو ترفيه، وعن حدود الضرر الناشئ عن البرامج الغثة، وحتى فى حدود ندرة البرامج الصالحة للأطفال. إنى أعتقد عن إيمان أن التليفزيون هو أخطر وسيلة اتصال ابتكرها الإنسان حتى الآن..

 

فهو لم يقف عند حد وظيفته كوسيلة اتصال أو ترفيه، وإنما أصبح هو المربى الأول لكل الأجيال الجديدة القادمة. ذهب عصر تربية الأسرة إلى الأبد، ذهب عصر الأب المثل الأعلى القادر على التربية والتوجيه، ذهب عصر الأم حاملة التراث والحواديت ومشعلة العواطف والخيال.. 

 

أولادنا الآن يربيهم جيلهم وأصدقاؤهم يربيهم النادى والشارع والحارة، تربيهم مدرجات كرة القدم، تربيهم المسرحيات والأفلام، والذى يربى هؤلاء جميعا هو التليفزيون. هو المايسترو، هو الذى يحدد ما يجب وما يصح وما يقال، هو الذى يعلمهم هز الوسط وهز العقول هو الذى يعلمهم العبط أو يعلمهم الذكاء والفطنة.. 

 

هو الذى يعلمهم الشر والمطاوى، هو الذى يعلمهم الخير والحكمة، هو الآن المدرسة الأم الأولى والمعهد الأب العالى. تخصيص ساعة فى اليوم للأطفال شيء هائل، فجمهور التليفزيون الأساسى هو من الأطفال إلى ما دون الخامسة عشرة، وكل رجائى ألا يقتصر الأمر على هذه الساعة وعلى الأطفال وحدهم.. 

 

فمشاهدو التليفزيون الأساسيون أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والسابعة عشر لا توجد لهم برامج مطلقا فى التليفزيون، وعليهم إما أن يخفضوا من إدراكهم ويشاهدوا برامج الأطفال، وإما أن يشرئبوا بأفهامهم ليصلوا إلى عُقَد الكبار ومشكلاتهم. 

 

وأنا هنا لا أطالب ببرامج خاصة لهؤلاء أو حتى الأطفال، أنا هنا أطالب أن يراعى هؤلاء الذين يضعون ويخططون ويبتكرون البرامج أن جمهورهم الأساسى من هؤلاء، ولا بد من عين تربوية واعية لما يقدم. 

 

فالمادة ستعرض أمام عقول بالغة الحساسية سريعة الالتقاط والتأثر والمحاكاة، فهى مادة قادمة من رب الأسرة الحقيقى التليفزيون، فإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فمن المحتم أن يرقص أهل البيت، وهذا هو ما ظل يحدث طوال العشر سنوات الماضية. 

 

والحمد لله أحس أن هذا الضرب بالدف وتلك الزغزغة وذلك الإهدار المستمر لكل قيمة ولكل معنى ولكل بطولة قد توقف، وحين أجلس إلى التليفزيون الآن لا أحس بالخجل من نفسى ومن أن هذا تليفزيون بلدى.. 

 

 

وهذا كله حسن، لقد أوقفنا الوباء وهذا جميل.. ولكن ليس بالإيقاف وحده يتغذى الناس.. المهم أن نقدم الشيء الجديد الجميل المفيد. بصراحة أقولها أن هؤلاء الذين يؤلفون أو يبتكرون البرامج ويقدمونها فى حاجة ماسة إلى انتفاضة تفكيرية وابتكارية طموحة، بل لا بد أن تصب كل عناصر الخلق فى بلدنا فى قناة التليفزيون.

الجريدة الرسمية