حكاوي زمان، قصة عميد الأدب العربى طه حسين مع مسابقات ملكات الجمال
فى مجلة الرسالة عام 1933 كتب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين –الذى نحتفل هذه الأيام بذكرى رحيله الخمسين- مقالا يسخر فيه من مسابقات ملكات الجمال، قال فيه: قرأت في الصحف أخبار ملكة جمال العالم وتشريفها مصر بزيارتها السعيدة، ولكن لا أدرى أوفقت الإنسانية حين فتحت على نفسها هذا الباب الظريف السخيف الذى يدخل عليها منه ظرف كثير وسخف كثير؟!.
هذا الباب الظريف السخيف الذى يبعث الرضا ويبعث السخط والذى يغيظ ويلهى هو باب المسابقة إلى الفوز بسلطان الجمال، خطرت هذه الفكرة لكاتب فرنسى ليس هو من المتعمقين في الجد ولا من المتهالكين على الهزل.. وإنما هو كاتب خفيف ظريف فتح للإنسانية بابا للجمال على مصراعيه، وأثار في رءوسها الفارغة فكرة المسابقة إلى سلطان الحسن..
هو موريس دواليف الذى خطرت له الخاطرة ذات يوم وهو يمزح، أو ذات ليلة وهو يلهو فتحدث إلى صديق ثم إلى إدارة الجورنال، وما أصبح الصباح حتى ملأت الفكرة باريس، وما كان الغد حتى ملأت الفكرة أوروبا، وما مضت أيام حتى ملأت الفكرة الأرض ومن عليها.
وإذ يقرأ الناس الصحيفة ويتساءلون عن الفكرة الطريفة الظريفة فكرة موريس التى ستدعو إلى مسابقة الفتيات لإظهار ما يملكن من جمال بارع وحسن فتان. وإذا التجربة الأولى تتم، وإذا للجمال ملكة في فرنسا، وتسير البلاد الأخرى مسيرة فرنسا، وإذا لكل بلد ملكة للجمال وإذا المسابقة أوروبية، وإذا لأوروبا ملكة، ثم للعالم كله ملكة.
لكن سلطان الجمال وأن استعار ألقابا ملكية أحاط نفسه بألوان القوة والأبهة فاتر قصير المدى كالجمال نفسه هو أشبه بالجمهورية القديمة في اليونان والرومان لا يدوم فيها السلطان لصاحبته أكثر من عام، وهو ملك لكنه لا يورث إنما يكسب بالانتخاب الضيق المحدود المتأثر بالأغراض السياسية في كثير من الأحيان.
أن هذا الملك الطارئ السريع الزوال يعبث برءوس الملكات وأسرهن، ومن طبيعة الملك أن يعبث بالرءوس إلا إذا اعتمد على دستور صحيح، وليس لملك الجمال دستور، ورغم ذلك فهو يعبث برءوس كثير من الرعية الشبان والشيوخ وأصحاب الملاعب والمراقص والسينما.
انظر إلى ملكة الجمال التى شرفت مصر بزيارتها مؤخرا لم تكد تهم بالزيارة حتى سبقتها الأنباء فطربنا واستشعرنا شيئا من الغبطة، وتفضلت صاحبة الجلالة الصحافة فقامت لزميلتها في الملك بما يجب من الإعلان ونشر الدعوة، وكانت دار “الجهاد” ملتقى الملكتين على مائدة صديقى توفيق دياب واجتمعت الملكتان ملكة الجمال وملكة الكلام.
وملكة الجمال ظريفة، فما كادت تصل إلى مصر حتى أدت طائفة من الواجبات يفرضها جلال الملك وسماحة الجمال فزارت رئيس الوزراء، ثم زارت البرلمان وأدى وكلاء الأمة واجبهم نحوها، واتجهت إلى المعارضة فزارت رئيس حزب الوفد المصرى ورئيسة الاتحاد النسائى ودور الصناعة والتجارة ـ أليس هناك جمالا أكثر من ذلك؟!.