الفن وسنينه
طارق عبد العزيز مكالمة أخيرة ولقاء لم يتم؟!
فكرت جديًا أن أعتذر عن كتابة مقال اليوم في العزيزة فيتو، بفعل حالة الصدمة والحزن التي تملكتني للرحيل المفاجئ لواحد من أقرب الناس إلى قلبي في الوسط الفني وفي الحياة عمومًا الفنان طارق عبد العزيز، الذي وافته المنية وهو يصور أحدث أعماله الفنية مسلسل وبقينا اتنين مع شريف منير ورانيا يوسف..
ذلك الفنان الجميل خلقًا وطباعًا وعشرةً وفنًا بالشكل الذي يندر وجوده في هذا الزمان، وهو من القلائل جدًا الذين اجتمع على محبتهم الوسط الفني وكل من يعرفه من الصحفيين والإعلاميين، فكان الراحل الغالي نموذجًا لإبن البلد الصعيدي الشهم صاحب صاحبه والذي يتمتع بخفة دم لا مثيل لها لم يخرج منها إلا الجزء اليسير في أعماله الفنية.
ولعل مظاهرة الرثاء والعزاء والدعوات بالرحمة من نجوم الفن على السوشيال ميديا مثل محمد هنيدي الذي كتب على السوشيال ميديا: الأخ والسند وصديق العمر كسرت قلوبنا ربنا يصبرنا على فراقك، وكذلك يسرا ونبيل الحلفاوي وطارق لطفي وخالد الصاوي وخالد سرحان ونشوى مصطفى وصابرين..
وكم أهل الفن والصحافة والإعلام الذين حرصوا على تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير من مسجد الشرطة بالشيخ زايد لخير دليل على حجم الحب والتقدير الذي يتمتع به هذا الفنان الأصيل في قلوب كل من عرفه وتعامل معه حتى ولو لمرة واحدة.
ومن مفارقات القدر أن أخر عمل قدمه الفنان الراحل كان مسلسل بعنوان أخر دور! أمام دينا الشربيني وميمي جمال وأحمد خالد صالح وإخراج حسين المنباوي العام الماضي.
صداقة من أول لقاء
تعود صداقتي بالفنان الراحل طارق عبد العزيز إلى أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، والتي بدأت وتوطدت منذ أول لقاء جمعنا حيث كان يشارك بأدوار صغيرة في بعض الأفلام والمسرحيات القليلة مع صديقه محمد هنيدي مثل.. صعيدي في الجامعة الأمريكية وهمام في أمستردام، ألابندا..
قبل أن يلفت إليه الأنظار بشدة فيحصل على أدوار كبرى وبطولات مشتركة في فيلمي أصحاب ولا بيزنس مع مصطفى قمر وهاني سلامة، وكيمو وأنتيمو مع المطرب الراحل عامر منيب الذي يشاء الله أن يرحل طارق في نفس يوم ذكراه وسيب وأنا أسيب مع عمرو واكد.
حيث لمست فيه طيبة شديدة وعفوية نادرة وحرصًا أكيدًا على المجاملة، حيث كان والراحل العزيز عامر منيب من أوائل من لبوا دعوة حضور عيد الميلاد الرابع لنجلي مهاب الذي صار حاليًا صحفيًا شابًا مرموقًا واستمرت علاقتي بطارق في نمو متزايد..
نتحدث هاتفيًا من وقت لآخر وكان يحرص دائمًا على معرفة رأيي في أعماله الفنية حتى قبل أن يبدأ تصويرها، وكنت مسرورًا بذلك وممتنًا كصديق قبل أن أكون صحفيًا وناقدًا فنيًا، وكان الراحل يعتز بصفة خاصة بدوره متولي الشخص المتلون بعد أحداث يناير 2011 في مسلسل أستاذ ورئيس قسم مع الزعيم عادل إمام..
ودور مصطفى النحاس في مسلسل مشرفة رجل لهذا الزمان مع أحمد شاكر عبد اللطيف، وأدواره مع صديق عمره منذ أيام الجامعة الراحل خالد صالح في مسلسلي موعد مع الوحوش وفرعون وفيلم فبراير الأسود.
وكان يعتبر أحمد إبن صديقه خالد صالح بمثابة إبنه الثاني في مكانة نجله الأكبر معتصم بعد وفاة خالد، ومن ثم أذكر أنه تصدر له وتوسط عندي عندما حدثت مشكلة طارئة بيني وبين أحمد، ومن الأشياء التي أتذكرها أيضًا صحبته الحلوة في السفر، حيث دعوته أنا وصديق عمري وشريكي الكاتب الصحفي هاني صلاح لتصوير برنامج لقناة الحرة بدبي قبل 10 سنوات وقضينا سويًا 3 أيامٍ من أجمل الأيام وأكثرها مرحًا.
المكالمة الأخيرة
عندما تعرض طارق لوعكة صحية مفاجئة في أواخر مايو الماضي واضطر على أثرها أن يجري عملية قسطرة ويركب دعامات بالقلب، كان قويًا ومتماسكًا وراضيًا حتى تجاوز هذه الأزمة، ولكن ظل يعاني من انسداد بعض الشرايين في القدم تطلب إجراء جراحة جديدة وهو ما كان يرفضه ويخافه رغم الآلام المبرحة..
وكانت أخر مكالمة بيننا منذ عشرة أيام تقريبًا قبل الوفاة وفيها طالبته بضرورة إجراء العملية ولكنه تهرب من الإجابة وأخبرني أنه تعاقد على مسلسل وبقينا اتنين مع النجم شريف منير قائلا: حبيت أشارك في هذا المسلسل رغم عدم حصولي على أجري المعتاد حتى يعرف الجميع أني كويس وبخير.
وذكر لي أنه سيبدأ التصوير بعد أيام قلائل فتمنيت له التوفيق وطلبت منه أن يعلمني بمكان التصوير حتى أتمكن من زيارته والاطمئنان عليه أنا وصديقنا المشترك هاني صلاح فوعدني بذلك ولكنه الموت حرمه من الوفاء بوعده ولبى نداء ربه أثناء تصوير دوره بهذا المسلسل.
رحم الله الفنان الإنسان الخلوق الطيب طارق عبد العزيز وألهمنا الصبر وأسرته وأصدقائه في الوسط الفني وكل محبيه وما أكثرهم.. الصبر على فراقه. إنا لله وإنا إليه راجعون.