أوهام القوة وحكام مصر
قال الرئيس السيسي أمس إن عرض اصطفاف الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش الثالث هو التزام مقرر سلفا ضمن احتفالات مصر بنصر أكتوبر عام 1973، والحق أن هذا حق، لكن كان العرض رسالة قوة، وكانت كلمة الرئيس رسالة تحذير.
العرض الضخم المهول بالأعداد والمعدات والأفراد، لهذه الفرقة بالذات، وهى فرقة لها تاريخ مجيد في القتال والتضحية، كان رسالة قوة حقيقية لا وهمية، ولعل هذا الشعور هو ما كان وراء الكلمة المرتجلة للقائد الأعلى للقوات المسلحة، حين حذر من أوهام القوة.
رسالة الرئيس حددت أن هذه القوة الضاربة للدفاع عن حدود مصر الاستراتيجية في الجهات الأربع، جنوبا حيث السودان، وغربا حيث ليبيا وشرقا حيث البحر الأحمر وشمال شرق حيث إسرائيل، تدوى قذائفها حاليا على الشريط الحدودى مع رفح المصرية.
دروس التاريخ
حين يحذر رئيس البلاد من وهم القوة، فهو علم ما حدث لمن توهموا من قبله من حكام مصر، وأساءوا تقدير الموقف، وأعنى بالذات سوء تقدير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وقائد الجيش عبد الحكيم عامر، فقد فعلوا بالضبط في عام 1967، ما حذر منه الرئيس السيسي عام 2023.
وهذا ما يفيد ان الحاكم حين يستوعب دروس التاريخ، فإنه لا يكرر الأخطاء بل الخطايا الجسيمة، ويورط أمته في كارثة تستمر اجيالا.. كان لمصر جيش قوي في عهد محمد علي باشا وكانت له قيادة عسكرية عبقرية، إبنه إبراهيم باشا، وخاض الجيش حروبا في أوروبا وفي السودان وفي الشرق بالحجاز، وحقق انتصارات باهرة، ونقول إن القوة كانت حقيقية، لكن الأوهام والطموحات قادت إلى تآمر الغرب كالمعتاد على هذه القوة ودبرت لهزيمتها وتقليصها.
لم تساور أوهام القوة الرئيس السادات قط، بل إن حصافته تركزت على أساس أن ما لديه من سلاح وإمكانيات دفاعية محدودة بالقياس إلى ما توفره أمريكا للعدو الإسرائيلي.
كان السادات موقنا بصلابة وفدائية الجندية المصرية، وشرف العسكرية المصرية وشجاعتها، وعبقرية تخطيطها، فتعامل مع الواقع برؤية واضحة، لا ضلالات بصرية ولا نفسية، ولا عقلية، ندفع ثمنها جيلا بعد جيل، بل انتصر رحمه الله ورفع رأسنا.
من الحق أيضا أن نذكر ان الرئيس الراحل حسني مبارك حافظ على جيش مصر وطوره، ولم يغامر به، ولم يخطئ في حسابات، وحين شارك الجيش المصرى في تحرير الكويت كان ذلك بعد دراسة وحسابات موقف وتقديرات واقعية، بلا أوهام.
كما وضع على رأس الجيش قيادة رشيدة ذات صبر وأناة هو المشير حسين طنطاوى، رحمه الله، الذي قاد سفينة الوطن وقت المؤامرة الكبرى التى جاءت بالإرهاب والعملاء حكاما لمدة سنة حتى خلعهم الشعب في الثلاثين من يونيو 2013.
درس الخامس من يونيو عام 1967 استوعبناه، وصصحنا الخطيئة الكبرى بالانتصار العظيم المبنى على العلم والايمان والدرس والتدريب وسلامة تقدير الموقف ومعقولية الأهداف في ضوء القدرات المتاحة، ثم استخدام الذي حققته القوة، لتواصل السياسة جنى الثمار، فعادت سيناء كاملة وجيشنا رابض على حدودها أسدا جسورا.
مرة أخرى، فإن ما قاله الرئيس السيسي عن الابتعاد عن أوهام القوة، تحركها الحماسة أو الغضب، أو الانفعال، يعنى أنك أمام حاكم قرأ التاريخ واستوعب عواقبه ودلالات حركته الدرامية، القوة الرشيدة تنتصر، القوة الغشيمة تنهزم من نفسها قبل عدوها.