رئيس التحرير
عصام كامل

المصريون من هم البطن إلى هم الوطن!

تظهر معادن الشعوب، وطبائع القادة وقدراتهم، في الأوقات العصيبة، ولا أظن مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي شهدا، في أي وقت من عصرنا الحديث، ظروفا كارثية، طبيعية ووبائية وإسرائيلية أمريكية أوكرانية، كالتى تحدق بالأمة المصرية الآن، أين الحديث اليومى المعتاد للمصريين عن أسعار البصل والسكر واللحوم والبيض؟

لقد اختفى هم البطن وارتفع هم الوطن، ذلك هو نحن، نحن -المصريين- الكل في واحد، أنشودة الفراعنة وترنيمتهم منذ فجر التاريخ، قبل أن يصبح للحفاة العراة شأن وسلاح وشهية حيوان تهدد وتهاجم وتفترس الأبرياء.

منذ السابع من أكتوبر، يلازم المصريون شاشات التليفزيون يتابعون الأحداث في غزة لأنها في بيوتهم، يرصدون تدحرج كرة النار نحو حدودنا، والجميع ملتف حول راية الوطن، وحول القيادة السياسية، فالرجل يدير كرة نار متوحشة بحكمة وصبر وعقلانية.

لقد تابعتم بالتأكيد كلمته علي الهواء مع الوفد الأمريكي برئاسة بلينكن وزير خارجية بايدن، وتابعتم المؤتمر الصحفي للرئيس مع المستشار الألماني أولاف شولتس القادم من زيارة دعم لاسرائيل، ولقد لاحظنا الهدوء والثبات الانفعالي والتحفظ البالغ في استخدام الكلمات والتعبيرات، وكانت لغة الجسد للرئيس رزينة فلا تشويح باليد ولا وجه متعصب متشنج، ولا لسان ينثر الكلمات كالطلقات. 

 

بل هدوء ومنطق وتحليل ومعلومات. هو أداء رئيس مصر. نعلم أنه من الداخل ممتلئ بالنار والغيظ شأن كل مواطن مصرى وعربى، لكن مسئوليته عن 105 ملايين روح مصرية تجعله كاظما لمشاعره.


الموقف العصيب هذا يطمئن المصريين، وأحدث إلغاء اللقاء مع بايدن في الأردن، بعد انسحاب بدأه أبو مازن رئيس فلسطين الجريحة، ونفذه الملك الأردني الشريف الشجاع عبدالله ابن الحسين، أقول أنه أحدث ارتياحا كبيرا في صدور المصريين والأمة العربية، ونعلم أن لهذا الموقف عواقبه وتداعياته ربما في وقت لاحق، لان الأمريكيين لا يحبون المواقف المستقلة، فما بالك أن مصر تكشر وتزمجر، وتعلن أن أى تصعيد من جانب اسرائيل سيقابل بتصعيد مصرى؟!


غادر بايدن اسرائيل بعد أن خدعه نتنياهو برواية كاذبة عن مسئولية الطرف الآخر في تفجير وحرق مستشفى المعمداني بغزة وسقوط 471 شهيدا، وفق أحدث وأدق إحصاء للصحة الفلسطينية، وبمجرد مغادرة ممول الارهاب الاسرائيلي عائدا إلى بلاده رمز الكراهية والشر في العالم، حتى أعلن الجيش الإسرائيلي جاهزيته لاجتياح غزة برا.

 


والمثير للسخرية أن أمريكا تقتل الفلسطينيين بالسلاح الذي تعطيه لاسرائيل، ثم تتبرع بمائة مليون دولار لغزة ورام الله، ثمن القتل والسكوت.. يالك من إدارة رخيصة العقل، وضيعة المشاعر، انسانيتها كاذبة.


يلتف المصريون حول القيادة الوطنية وهم واثقون في سلامة قرارته وحرصه على ما بنيناه، لكن ذرة واحدة تساوى كل التراب المصري.. يريدون توطين نصف سكان غزة على أرض سيناء، وتصير غزة غلافا للمستوطنة الفلسطينية في رفح والعريش المصريتين، ونتحول نحن بقواتنا إلى شرطة تحمي مستوطنات إسرائيل في غزة!

 


ذلك هو المخطط، بدءوه بمؤامرة 25 يناير، ووقتها قبل الإخوان ورئيسهم محمد مرسي بمنح إسرائيل جزءا من سيناء، ياللعار يا مرسى، يلاحقك الخزى وأنت بعد في الجحيم.. هل أدركتم الحقيقة الآن أيها المتباكون علي يناير وتعدونها ثورة وطنية شريفة؟ كيف تكون وطنية وشريفة وقد دبر لها العملاء وقادها الإرهاب الإخواني وشارك فيها السذج وحسنو النوايا قطيعا؟ أفلا تعقلون؟

الجريدة الرسمية