رئيس التحرير
عصام كامل

السينما عجزت عن التعبير عن انتصار أكتوبر

فى السبعينات كان الانتصار العسكرى الأكبر في تاريخنا الحديث، كان عبور القوات المسلحة قناة السويس أكبر عائق مائى في تاريخ الحروب، وتم تدمير خط بارليف المنيع الذى قيل عنه أنه أقوى من خط ماجينو في الحرب العالمية، وارتفعت أعلام مصر على سيناء العزيزة، وارتفعت الحناجر فى الهتاف الله أكبر.. الله أكبر، وارتفعت في سماء سيناء مصر.. مصر.. تحيا مصر..

 

هذا الانتصار العظيم، من الطبيعى أن يكون له صدى قوى فى كل مناحى الحياة، يرفع الروح المعنوية لدى المواطن البسيط، يكون حافزا على العمل والاجتهاد، ويكون له صدى في الاعمال الابداعية سواء الادب والسينما والدراما.. الخ، ربما كان الأسرع هو الاغانى التى خرجت بتلقائية من المطربين المصريين، بكلمات كتبت بدم الشهداء، وبدموع الفرح والسعادة، وبالحان من وحى السماء.. 

Advertisements

 

ولكن هذا الانتصار العظيم لم يأخذ حقه من السينما، بل إن جميع الأعمال التى قدمت لم ترق ولو من بعيد إلى عظمة وحجم هذا الانتصار العظيم، فقد حدث أن السينما قدمت عددا من الافلام بالرغم من بعضها كتبه أسماء كبيرة مثل احسان عبدالقدوس، يوسف السباعى، إلا أنها كانت أفلام هزيلة، يقول المؤرخ الدكتور محمد عفيفى: يعتبر فيلم الرصاصة لا تزال فى جيبى من أهم أفلام تلك المرحلة تعبيرًا عن حرب أكتوبر. ولقد أثار ذلك الأمر فضولى لمعرفة أسباب نجاح وتوفيق هذا الفيلم على وجه الخصوص.. 

 

وعلينا أن نتذكر أن تاريخ العرض الأول للفيلم هو أكتوبر 1974، وعلينا أن نتساءل عن السر وراء خروج هذا الفيلم الكبير بعد عام واحد من هذا الحدث، وهى مدة قصيرة لإنتاج عمل بمثل هذه الضخامة.

 

الحقيقة أن هذا الفيلم لولا تدخل الرئيس انور السادات لانتاجه ما خرج للنور، بالرغم قصة الفيلم التى كتبها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، وإبداع الحوار الرائع لرأفت الميهى، مع المخرج حسام الدين مصطفى، الا أن انتاجه توقف، ويروى الفنان سعيد شيمى، مدير التصوير، والذى شارك فى إنتاج الفيلم، ان المنتج الكبير رمسيس نجيب عجز عن إنتاج العمل نظرًا لضخامة الإنتاج والتكاليف، حتى إنه قال: ليست لدىّ أموال، الجميع سيأخذ أجره عندما تأتينى الأموال..

 

لكن كان التحول الكبير هو تدخل الرئيس السادات شخصيًا لدعم الفيلم حتى يظهر مع الذكرى الأولى لأكتوبر، ومن هنا تم وضع كل إمكانيات الدولة وراء خروج الفيلم، وتمت الاستعانة بمخرج إيطالى خاص بإخراج المعارك الحربية، وشارك ضباط وجنود الجيش الثانى فى تصوير المعارك.

سطحية الرصاصة لاتزال فى جيبى

وفى رؤية إلى فيلم الرصاصة لاتزال فى جيبى من الباحث عمرو صابح الذى يسخر من الفيلم ويقول: هذا العنوان يذكرنى دائما بما قاله اللواء حاتم عبداللطيف بطل معركة المزرعة الصينية الذى رفض الفيلم من اسمه قبل احداثه، فيقول: الجندى الذى يخفى الرصاص في جيبه يحاكم عسكريا، والرمز هنا لا يتماشى مع التقاليد العسكرية بعيدا عن أحداث الفيلم التى لا علاقة لها بالحرب أو الدوافع الوطنية النبيلة للحرب!

ويقول عمرو صابح: الفيلم عن قصة أديب كل العصور إحسان عبد القدوس الذي كان طوال سنوات حكم عبد الناصر من أشد مؤيديه وأكثرهم تهليلًا له ثم تحول في عهد السادات إلى سب عبد الناصر وثورته والدعاية للسلام مع إسرائيل، أما السيناريو والحوارفكان لرأفت الميهي وهو من أشد كارهي عبد الناصر، ومن إخراج حسام الدين مصطفى وهو من رواد التطبيع الفنى مع إسرائيل.

 

الفيلم يتكلم عن مصر من 1967 حتى 1973، وفى رمزية مقززة من صناع الفيلم، تلعب دور مصر الفنانة نجوى إبراهيم ذات الوجه البلاستيكى عديم الانفعالات والخشبي فى التعبير عن الأحاسيس، بينما يلعب الفنان يوسف شعبان دور يرمز للرئيس عبد الناصر وإسمه فى الفيلم عباس، تذهب مصر أو نجوى إبراهيم لفيلا عبد الناصر أو يوسف شعبان علشان تنظفها له رغم إنها بنت أكابر إلا انها تقبل أن تكون خادمة لعباس اللى طبعا مفوتش الفرصة واغتصبها!! 

 

بينما حبيبها المواطن المصرى محمد أفندى أو محمود ياسين على الجبهة بيحارب فى ظروف مهببة من 1967 حتى 1973، ويتم التركيز على حرب 1967 بهدف تشويه عهد عبد الناصر وإدانة حكمه إدانة شاملة وتشويه نظامه.

 

فجأة يختفى عبد الناصر أو عباس بيه بعدما أدى مهمته التاريخية وجلب الهزيمة واغتصب مصر -نجوى إبراهيم، ويحل محله عبد الحميد بيه اللى هو السادات وللأسف نسمع عن ذلك من غير ما نشوف وجه البيه الجديد، الذي يقود مصر للنصر، ويعود محمد أفندى من الجبهة منتصرا وفى جيبه الرصاصة التى احتفظ بها منذ حرب 1967 حتى نهاية حرب 1973.

 

وطبعا كان يستحيل تكتمل لزوجة الفيلم بدون مشاركة الفنان الثقيل الواد التقيل حسين فهمى فى أحداثه، أجمل حاجة فى الفيلم المعارك الموجودة به ولكن رسالته السياسية بالغة السوء والضحالة.

أفضل فيلم

ولو نظرنا إلى الافلام التى قدمت سنجد جميعها تتناول إنتصار أكتوبر على هامش الاحداث، مثل فيلم حتى آخر العمر الذى عُرِض فى عام 1974، إخراج أشرف فهمى؛ إذ إن البطل هو طيار أصيب في الحرب، وأصبح قعيدًا، ليعانى بعد ذلك من اضطراب حياته الأسرية مع زوجته، إلى أن يكتشف وفاءها له ورفضها الخطيئة مع أعز أصدقائه.

 

و نجد فى فيلم بدور الذى عُرض فى العام نفسه 1974 إخراج نادر جلال، وتدور أحداثه حول الحياة فى حارة مصرية، وبدور النشالة التى تقرر التوبة، والعصابة التى تلاحقها، ثم عودة البطل من الحرب لينقذ بدور والحارة. وهى قصة سطحية وأقل بكثير من حجم ومكانة الحدث التاريخى الكبير حرب أكتوبر..

 

ونفس الأمر سنجده في الوفاء العظيم إنتاج عام 1974، تأليف فيصل ندا وإخراج حلمى رفلة ومن بطولة نجلاء فتحى ومحمود ياسين وكمال الشناوى، وقدمت السينما أيضا العمر لحظة إخراج محمد راضي وقصة يوسف السباعي، ومن بطولة ماجدة وأحمد مظهر، وناهد الشريف، ونبيلة عبيد، تدور أحداث الفيلم في أعقاب حرب يونيو 1967..

 

لكن فى تقديرى أن أفضل الافلام التى قدمت هو فيلم أبناء الصمت، وتقع أحداث الفيلم خلال الست سنوات التي سبقت حرب أكتوبر ”حرب الاستنزاف”، والعمليات القتالية التي كان يقوم بها الجيش لاستنزاف طاقة وقوة العدو. 

 

ويركز العمل على بطولة الجنود الذين دفعوا دماءهم ثمنًا لتحرير أرضهم، كما يُظهر نماذج أخرى سلبية، منها رئيس تحرير إحدى الصحف والذي يعيش منفصلًا عن مرارة هزيمة 67 ولا يفكر سوى في مصالحه وعلاقاته الخاصة.. 

 

وتتوالى الأحداث إلى أن تأتي لحظة العبور، ويتحقق النصر، شارك في بطولته محمود مرسي، نور الشريف، ميرفت أمين، محمد صبحي، مديحة كامل، أحمد زكي، السيد راضي، سيد زيان، وإخراج محمد راضي.

 

ويتردد الاسئلة في الشارع الوطنى النبيل، هل هذه الافلام تليق بأعظم انتصار لمصر على الصهاينة؟ هل تليق باعظم يوم انتظره الملايين في العالم العربى وليس الملايين المصريين؟ هل هذه الافلام تليق بتاريخ ينتظر يوم عبور قواتنا للقناة على أحر من الجمر؟ 

أفلام النصر

وهنا نذكر ماذا فعلت السينما الامريكية مع الحرب العالمية الثانية؟ لقد صنعوا تاريخا من الافلام التى قدمتها السينما الامريكية.. صنعوا من معارك صغيرة بطولات تمجد الامريكان وتصنع من الامريكى اسطورة يخيف العالم بل السوبر مان الذى لا يمكن هزيمته! 

 

نحن قهرنا العدو الذى إدعى أنه لايقهر، نحن حطمنا أسطورة الجندى الصهيونى الذي كان بعتبر نفسه أقوى من سوبر مان، دمرنا خط بارليف الذى قال عنه العدو أنه أقوى مانع عسكرى لا يمكن تدميره او تجاوزه.. 

 

للاسف هذه الافلام لا يمكن أن تعطى حرب اكتوبر العظيمة حقها ولا يمكن أن تعكس البطولات والفداء والدماء والعرق والتخطيط  وكلها منظومة تقترب من الاعجاز في التنفيذ، ومؤكد كان وراء كل هذا ابطال من رجال مصر العظام. فلماذا لا ننتج أفلام تلقي الضوء على هذه النماذج، خاصة وأن قصص الحرب مليئة بالاحداث التى يمكن أن تصنع أفضل الأفلام التى تجذب الكبار والصغار وتعمق من الروح الوطنية لدي شبابنا؟!

 


يرجح الدكتور محمد عفيفى أن السينما بسبب سياسة الانفتاح أدت إلى إنصراف السينما -للأسف- عن تخليد حرب أكتوبر، وظهرت موجة أفلام نقد الانفتاح، ولكن أضيف سببا لا أدرى لماذا يتجاهله المؤرخين أو المثقفيين عمدا أو جهلا، هو إتجاه الدولة المصرية إلى الغرب والصلح مع العدو الصهيونى، كان من أهم الاسباب، فلم تعد الدولة تنتج افلاما ضخمة تتحدث عن نصر أكتوبر بالاضافة الى عدم رغبة المنتجين في السير في خط يعادى خط الدولة المتجه إلى الصلح مع العدو الصهيوني والغرب عموما، وهنا لابد أن نعطى السينما التسجيلية حقها فقد خلدت الحدث العظيم.

الجريدة الرسمية