ليس من أجل سواد عيوننا!
تتردد مع بداية اندلاع الأزمة الاقتصادية أحاديث حول المساعدات الخارجية لنا، سواء كانت من أشقاء أو غير أشقاء، من دول إقليمية أو دول عالمية.. وغلب على هذه الأحاديث حقيقة مهمة جدا وأساسية، وهى أن الدول التى تقدم مساعدات لغيرها مازالت تفعل ذلك لأنها تجده يحقق مصالحها أساسا..
أى إنها تساعد نفسها قبل أن تساعد غيرها.. مثلا عندما قررت الولايات المتحدة الامريكية تقديم مساعدات لمصر، اقتصادية وعسكرية، فى أواخر السبعينيات، فإنها فعلت ذلك لدعم اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل التى تمت تحت رعايتها، ووجد الأمريكان أن استمرارها يحقق مصالحهم في منطقتنا..
وهناك كلام للرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون يقول فيه إن كل دولار تقدمه أمريكا لمصر تسترد منه 85 سنت، في شكل أجور ورواتب للخبراء الأمريكيين، وتكلفة نقل السلع والأسلحة على ناقلات أمريكية، وأيضًا تكلفة دراسات الجدوى التى تجربها مكاتب أمريكية لمشروعات تمول بالمعونة الامريكية.. أى إن أمريكا كانت تحقق مصالحها في المنطقةَ بنحو 15 في المائة من المعونة المعلن أنها تقدمها لنا!
ومثلا أيضا المعونات التى قدمها بعض الأشقاء العرب لنا بعد التخلص من حكم الإخوان، وهو أمر شكرناهم عليه، وكان هؤلاء الأشقاء يحمون بها أنفسهم.. فإن سقوط مصر في قبضة الإخوان كان يفتح الباب لسقوطهم هم أيضا في قبضة الإخوان.. ولذلك كانت حماية مصر من هذا الخطر هو حماية لأنفسهم أيضا من هذا الخطر.
خلاصة الأمر من يقدم لنا شيئا ليس لسواد عيوننا، وإنما لتحقيق مصالحه أولا وأساسا.. ففى العلاقات بين الدول، شقيقة أو غير شقيقة، صديقة أو غير صديقة، المصالح هى التى تحكمها وتتحكم فيها وتصوغها.. فلن تتصرف دولة أو تتخذ مواقف ضد مصالحها، والشطارة السياسية هنا تكمن في صياغة مصالح مشتركة واسعة ممتدة مع الآخرين، ليس فقط من أجل الحصول على حفنة مساعدات، وإنما لبناء شبكة مترامية من النفوذ في محيطنا الإقليمى والنطاق العالمى.