الشلوت.. آخر صيحات الإدارة بوزارة الصحة!
كم قرأنا كتبًا ومراجع ومؤلفات عن الإدارة الحديثة للمستشفيات، غير أننا لم نقرأ عن طريقة الدكتور أحمد سعفان، رئيس قطاع الطب العلاجى بوزارة الصحة، والذى جاء إلى الوزارة بالبراشوت ليتولى مسئولية 540 مستشفى مركزيا وعاما بالوزارة دون أن يمر بدولاب العمل داخل وزارة الصحة.
القصة كما يرويها الدكتور هانى عاطف عبد المقصود، أخصائى العلاج الطبيعى بمستشفى الحمام بمحافظة مطروح، يندى لها الجبين، حيث كان المذكور -أحمد سعفان- يمر باعتباره مساعد الوزير لقطاع الطب العلاجى، فوجد سلة مهملات ممتلئة عن آخرها، فلم يكن من سيادته إلا أن ضربها بـ الشلوت فى وجه مدير المستشفى الدكتور رفيق صلاح الدين.
أحمد سعفان الذى يتولى رئاسة مجلس إدارة عدد من الجمعيات الأهلية، إضافة إلى عضويته بمجلس إدارات عدد من مستشفيات جمعيات أهلية أخرى، جاء بقرار ليصبح رئيسا لواحد من أهم قطاعات وزارة الصحة، إضافة إلى أن سيادته أستاذ للمسالك البولية بإحدى الجامعات الحكومية.
كل هذه المواقع التى تتعارض مصالحها وتتقاطع أصبح واحد فقط مسئولًا عنها ملتزمًا بطريقة إدارية جديدة فى علم الإدارة، فلم نقرأ يوما عن الإدارة بـ الشلوت، وما رواه الدكتور هانى عاطف عبد المقصود يفرض علينا إحالة الملف كله إلى التحقيق، حيث يؤكد الرجل أن بعض مساعدى وزير الصحة يدخنون الشيشة بفناء المستشفى!
أعرف جيدا الدكتور خالد عبد الغفار، وأعلم أنه زار العديد من المستشفيات واتخذ قرارات عقابية ضد المقصرين، ولكنه أبدا لم يسئ إلى أحد، فالقانون هو الفيصل، والإدارة الناجحة لا تستخدم العنف أبدا، ومكان العنف ليس فى الوزارات ولن يكون بديلًا عن القانون.
من الواضح أن الدكتور أحمد سعفان رئيس القطاع العلاجى بالوزارة يتبنى طريقة جديدة للإدارة وهى الإدارة بالشلوت، دون أن يسأل نفسه أن زميله مدير المستشفى مواطن أنفق عليه أهله من حر أموالهم ليصبح طبيبا، وقد عمل واجتهد طوال حياته حتى تبوَّأ موقع مدير مستشفى بحجم مستشفى الحمام، فكيف طاوعه قلبه أن يتصرف معه بكل هذه البلطجة؟
جريمة أحمد سعفان
وما زاد الطين بلة أن المذكور لم يكتفِ بجريمة قذف سلة المهملات فى وجه زميله مدير المستشفى، بل أكمل مسلسلا دراميا غريبا وعجيبا وشاذا عندما قرر نقل 86 من الأطباء والعاملين، من بينهم طبيب يرعى زوجته المريضة بالسرطان، وقد فعل كل ذلك دون تحقيق باعتبار أن الورق ورقهم والدفاتر دفاترهم.
وأحمد سعفان صاحب طريقة فى الإدارة نراها على عكس ما يراها آخرون، وأذكر أن مسئولا كبيرا قال لى إن الدكتور سعفان حول مستشفى رابعة إلى دار فؤاد جديدة دون أن يدرك المسئول الكبير أن تحويل مستشفى خيرى لا يستهدف الربح إلى دار فؤاد جديدة هو جريمة.
يكفى أن نقول للمسئول الكبير إن أرباح مستشفى رابعة من الأدوية فقط فى عامين تعدى حدود الملايين العشرة، وهذا يعنى أن المستشفى فى عهد سيادته تتاجر في الدواء، علما بأن الهدف من هذا النوع من المستشفيات ليس تحقيق الربح، ومن الجنون أن يؤجر سعفان كل شبر فى المستشفى، حتى العناية المركزة يؤجرها لطبيبين بعينهما!
والذى يؤجر مكانا بمستشفى خيرى يرغب فى تحقيق أرباح، وهو أمر يناقض القانون الذى يحكم هذا النوع من المستشفيات بخدمة عامة خيرية لا تستهدف الربح، وهو ما كانت جماعة الإخوان الإرهابية تفعله لتحقيق أهداف أخرى، فكيف هو الحال الآن ولسان حال المترددين عليها يقول: فين أيام الإخوان!
ما فعله أحمد سعفان فى مستشفى رابعة تجارة وليس نجاحا، والتجارة شطارة، وليس مكانها مستشفى خيرى يقدم خدماته بأسعار مناسبة لطبقات شعبية تتردد على مثل هذا النوع من المستشفيات، وتحويلها إلى دار فؤاد جريمة تستوجب المحاكمة، إذ لا يمكن القول إنه يحقق أرباحا لينفقها على الفقراء، فالأصل فيها أنها أنشئت لخدمة الفقراء.
إن تحويل خدمة طبية خيرية إلى سلعة وتجارة يلفت نظرنا إلى طابور خامس لا يزال يعمل لصالح جماعات الإرهاب، ويرسم صورة فاشلة لإدارة الدولة بأنها تسعى حثيثا لتحقيق أرباح على حساب الغلابة الذين لا يمتلكون القدرات المالية لدخول مستشفى دار الفؤاد.
إن جهات عديدة استغلت ضعف إمكانات الدولة وسيطرت على هذا النوع من الخدمة لتحقيق أهداف جماهيرية باعتبارهم رعاة الفقراء والغلابة، وعندما تسيطر الدولة على هذه الخدمات كان يجب أن تطورها وتقدمها بنفس الأسعار دون تجارة فى الدواء والخدمات الأخرى وتأجير الرعاية المركزة وغيرها من أجل المال.
نعود إلى صاحب فن الإدارة بالشلوت وواقعة العار بمستشفى الحمام التى راح ضحيتها كرامة مهنة للأسف ينتمى إليها مرتكب الجريمة.. جريمة قذف سلة المهملات فى وجه مدير مستشفى كبير، كما راح ضحيتها نقل 86عاملا وطبيبا دون تحقيق أو إجراء قانونى.
عندما يُقذَف القانون بالشلوت فإننا بالتأكيد لسنا داخل وزارة فى حكومة بأقدم بلد فى العالم، وعندما يصبح العنف بديلا عن القانون فإن هذا يعنى أننا لسنا داخل منظومة يحكمها العدل، فالمقصرون ينالون عقابهم بالقانون وليس بالشلوت وقذف سلات المهملات فى وجوههم.
الواقعة وما جرى بعدها لا يمكن السكوت عنها، فهناك إنسان امتهنت كرامته وأسيئ إليه وعوقب بعدها دون عقاب مرتكب الجريمة الأصلى الذى تصور نفسه عمدة فى زمن الإقطاع يستخدم العنف والإساءة ويلغى القانون بحذاء يقذف به كرامة الناس، دون أن يفكر مليا بأنه شخصيا بحاجة إلى علاج نفسى، فكلنا مرضى نفسيون وسعفان أولنا.