رئيس التحرير
عصام كامل

بيع الشرقية للدخان.. هو فيه إيه بجد؟

في يوم الجمعة الموافق الخامس من أغسطس عام 2022 كتبت مقالا في هذا المكان، تحت عنوان مصر للألومنيوم وسياسة بيع الشركات الناجحة ، وفي المقال رفضت سياسة بيع الشركات الناجحة، وقلت نصا: "ولا أعرف سببا في بيع شركة مصر للألومنيوم أو حصة منها إذا كانت الشركة تحقق أرباحا فهي إذا تستطيع من خلال الأرباح الطائلة أن تزيد من طاقتها الإنتاجية وتطوير أحوالها دون اللجوء لبيعها.. 

 

لكنها عادة الحكومة –لا قطع الله لها عادة– في بيع كل الشركات خاصة التي تحقق أرباحا بحجج واهية، حيث يقول الوزير إن جميع الشركات الناجحة التابعة للوزارة مطروحة للشراكة مع القطاع الخاص، طالما فيها فرصة للنمو، ولا أعرف سببا واحدا للبيع إن كانت فرص النمو موجودة دون احتياج للقطاع الخاص إلا أن السياسة العامة للوزارة هي البيع ولا شيء سواه.


ويبدو أن سياسة الحكومة الوحيدة هي بيع الشركات الناجحة من أجل توفير الدولار، ليس للاستثمار أو التنمية -لا سمح الله- وإنما لسداد فوائد الديون التي ورطت فيها الحكومة الشعب المصري، وكبلته بها، وبالتالي فلا تجد الحكومة شيئا تسدد به فوائد الديون -وليس الديون نفسها-  سوى بيع الشركات الناجحة التي تدر دخلا على الموازنة العامة للدولة..

 

مما يجعل الموازنة أو دخل الدولة ينخفض وبالتالي تزيد الحكومة من سياسة الجباية على المواطنين وترتفع الأسعار بصورة بشعة، وهذا الأمر يبدو أنه لن ينتهي في المنظور القريب ولا البعيد، بل سيزيد الأمر سوءا، وستلجأ الحكومة إلى التعويم للمرة الرابعة والخامسة حتى سيرتفع الدولار لحد 60 أو 70 جنيه، ووقتها لن يجد الفقير فرصة للحياة مطلقا..

 

فالحكومة ببيعها الشركات الناجحة تفرط في الدجاجة التي تبيض ذهبا من أجل أن تسدد ثمنها للدائن وتترك الأسرة دون طعام، بعد أن كان من المفترض أن تعيش على قدر البيض المتحصل من الدجاجة حتى لا تضطر لبيعها، وتحاول أن تسمن الدجاجة لتبيض أكثر..

 

لكن سياسة استعراض العضلات، وأن مصر دولة عظمى تستطيع في أشهر قليلة أن تبني عاصمة إدارية جديدة وتدبش الترع وتدخل قطارات كهربائية بمليارات الدولارات بالدين طبعا، وتنشئ طرق في الصحراء الخ، مما لا يدر دخلا على مصر وإنما در ديونا لا حصر لها تستوجب السداد..

 

كما أن الاختيار الأسود للاقتراض من صندوق النقد الدولى الذي جعل مصر تحت رحمة الصندوق يفرض ما يشاء من قيود ورفع أسعار في كافة المجالات دون معرفة رأي الشعب المصري ودون إرادته، كل ذلك كبل مصر وجعلها تدور في دائرة الفقر المدقع.. 

 

طبعا أتحدث عن غالبية الشعب وليس طبقة الباشاوات الجدد التي استفادت من كل الأزمات وأثرت ثراء فاحشا، وعادت مصر لمجتمع النصف في المائة الذي قامت ثورة يوليو 1952 من أجل إلغائه وتقويضه، بحيث صار المجتمع إما الباشاوات الذين يملكون كل شيء أو الفقراء الذين يعانون من كل شيء.

قفزة في أرباح الشرقية للدخان


وآخر حلقة في السياسة الفاشلة لبيع الشركات الناجحة هو ما أعلنته الحكومة عن الاستحواذ على حصة في الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، منتج السجائر الأكبر في مصر والتي تهيمن على قرابة 75% من حجم السوق المحلية للدخان. 

 

ووفق ما أعلنه مجلس الوزراء  فقد استحوذت شركة جلوبال للاستثمار القابضة المحدودة الإماراتية على 30% من أسهم الشركة الشرقية في صفقة بقيمة 625 مليون دولار، مع قيام المشتري بتوفير مبلغ 150 مليون دولار لشراء مواد التصنيع. 

 

هذا على الرغم من أن تلك الشركة ناجحة بالفعل، حيث أظهرت المؤشرات المالية الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" قفزة في الأرباح بنسبة 90% خلال العام المالي الماضي لتسجل ما يقرب من 7.7 مليار جنيه مقارنة مع نحو 4 مليارات جنيه خلال العام المالي المنتهي في يونيو 2022، لتصبح تلك النتائج هي الأعلى في تاريخ الشركة. ورغم ذلك يتم بيعها! 

 

وكل ذلك لسداد فوائد الديون لا أكثر ولا أقل، تلك الديون التي كبلت بها الحكومة مصر وجعلتها عاجزة عن الحركة، وستظل كذلك لأمد بعيد، نحن هنا لا ننكر الإنجازات في مجالات مختلفة مثل الأمن في ربوع مصر وخاصة سيناء وما تكلفه من أموال طائلة، ولا ننكر الاهتمام بالبنية التحتية بالطبع مثل الكهرباء والغاز وبعض الطرق..

أسهم جديدة لزيادة رأس المال

لكننا نؤكد أنه كان من المفترض أن تبدأ الدولة بتنفيذ المشروعات الصناعية والزراعية ولا تنتظر المستثمر سواء المحلى أو الأجنبى، ثم من حصيلة تلك المشروعات تبدأ في تنمية البنية التحتية وتدبيش الترع وبناء العاصمة الإدارية الخ، لكننا عكسنا الوضع وهذا الأمر جعل مصر تستدين ديونا طائلة لا تستطيع سداد فوائدها على مشروعات لا تدر دخلا.. 

 

فتلجأ لبيع ما لديها من أي شيء له قيمة في تحد لمقدرات الأجيال القادمة التي ستنشأ فتجد أن كل ما هو ناجح في مصر ملكا للأجانب سواء عرب أم أمريكان وأوروبيين، وجعل الشعب يعاني الفقر،
بالإضافة إلى أنه هناك فشل ذريع في أسلوب بيع الشركات الناجحة، فكان من الممكن أن تباع الشركات الناجحة بأسلوب أقل ضررا على الشعب المصري.. 

 

حيث إن المستثمر يشتري أسهم الشركة كما هي دون زيادة في رأس مالها، الأمر الذي يجعل الشركة بعد البيع محلك سر، فكان الأصح والأولى أن تبيع الحكومة أسهم جديدة لم تكن بالشركة..

 

 

بمعنى لو افترضنا أن رأس مال الشركة الناجحة 100 مليون جنيه، والسهم مقدر بجنيه، والمستثمر يشتري مثلا 30 % منها ليدفع 30 مليون جنيه دون زيادة لرأس مال الشركة، فكان ينبغي بدلا من ذلك أن ترفع الحكومة رأس مال الشركة إلى 130 مليون جنيه، والمستثمر يدخل 30 مليون جديدة على رأس مال الشركة تساهم في توسعات الشركة والإنتاج؛ مما يجعل المستثمر يكسب وحصة الحكومة تزيد من الشركة دون خسارة كبيرة أو بيع تام، لكن كل ذلك لا يحدث ولك الله يا مصر.

الجريدة الرسمية