مشروع قومى للأرشيف الإلكتروني
بدأت الحكومة منذ سنوات رحلة الألف ميل للالتحاق بركب التكنولوجيا الرقمية.. نعم مازالت الرحلة طويلة لعظم الميراث لأقدم دولة فى التاريخ، ولضخامة الميراث المصرى في الوثائق والمستندات والدفاتر.. إلخ تكون أهمية الأرشفة الإلكترونية للحفاظ على هذه الكنوز التى يملكها الشعب المصرى وتستلزم بحق أن نطلق عليه المشروع القومى لحفظ ذاكرة مصر.
ويستطيع أى مواطن عادى، ولن أقول المتخصص والدارس أن يدرك حجم وأهمية هذا المشروع حين يذهب لاستخراج صورة من وثيقة أو مستند مضى عليه سنوات، وينزل إلى الاضابير أو المخازن أو الغرف التى توجد بها الدفاتر، وفى أحيان كثيرة تكون غير معدة للتخزين، وكم من مستندات أكلتها الفئران أو الرطوبة أو الإهمال والحرائق.. إلخ.
لذلك يكون الحل هو مشروع قومى لحفظ ذاكرة الدولة المصرية اليوم وليس غدا.. نعم بدأنا الرحلة وأنشأنا عشرات المقار المعدة والمجهزة، لكن مازال أمامنا جهد كبير في هذا المجال، والتكنولوجيا الرقمية هى الوسيلة الأحدث لحفظ هذه الذاكرة مع الوسائل التقليدية مع وسائل التأمين الإلكترونية والعادية.
هدف المشروع حفظ الوثائق من التلف والعبث والفقد لمدد طويلة وبأقل تكلفة، وإتاحة استرجاع الوثائق بشكل يسير وسريع مع سرعة تحديث المعلومات والملفات ورفع مستوى سرية نظم الحفظ وتقديم خدمات أفضل للتيسير على المواطنين والحد من الفساد الإداري، وسهولة وصول المواطنين لحقوقهم وبضغطة "زر" كما يقولون بالإضافة إلى صغر المساحة المخصصة للتخزين.
وعلى الرغم من إيجابيات الأرشفة الإلكترونية ومزاياها الكثيرة، لا تخلو من العيوب مثل التكلفة المادية والقلق حيال العمر الافتراضي للتجهيزات والحاجة إلى المزيد من إجراءات الحماية وكارثة حدوث الفقد.. طبعا هناك حلول لذلك، وأذكر مثلا بعض المشروعات التى بدأت هنا وهناك وحققت بعض النجاحات مثل:
• وزارة العدل التى أطلقت مشروع الأرشيف الإلكترونى لحفظ ملفات القضايا الورقية.. وبدأ العمل في جميع المحاكم الاقتصادية على مستوى الجمهورية، وعددها ثماني محاكم، بالإضافة إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية والعمل جارٍ على توسيع نطاق عمل المشروع في قطاعات الوزارة، وكافة محاكم الجمهورية.
نعم العمل شاق فى حفظ ملفات القضايا الورقية إلكترونيًا، من خلال عمليات المسح الضوئي، وإتاحة آليات بحث رقمية واسعة وسريعة، واستخراج نسخ من المستندات من خلال البحث بالرقم القومي، أو الإسم، أو رقم الدعوى.
• وفي هيئة البريد تم إنشاء مركز الأرشيف الإلكتروني بمدينة السادس من أكتوبر، الذى يقدم خدمات التصميم والتنفيذ لمشروعات الأرشفة الإلكترونية سواء للبريد أو المؤسسات والشركات المصرية.
ونجح المركز فى خدمات الأرشفة الإلكترونية لجميع المستندات الورقية بكافة أنواعها وتحويلها إلى مستندات إلكترونية يسهل استرجاعها في زمن قياسي.
• ومكتبة الاسكندرية التى بدأت مشروع المسح الضوئى والميكروفيلم للعديد من اصدارات وصور بعض الدور الصحفية لتحتفظ بنسخة منها في المكتبة.. الخ.
تدبير التكلفة المالية
طبعا انطلق قطار إنشاء الأرشيف الإلكترونى ولكنه يتعثر أحيانا فى بعض المحطات بسبب التكلفة المالية، لذلك أعتقد أن تحويل هذا المشروع إلى مشروع قومى تتبناه الدولة بكل امكانياتها كفيل بنجاح هذا المشروع، ويمكن مواجهة التكلفة المالية بأمور كثيرة تقلل منها إلى حد كبير.
على سبيل المثال كما قالت مسئولة في إحدى الادارات التعليمية عن عدم وجود ميزانيات مادية كافية لاستقدام موطفين لادخال البيانات، فأعتقد إن الحل يكمن في تعاون الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة من خلال توجيه الطلاب خاصة طلاب كليات ومعاهد الحاسبات والمعلومات والبيانات.. الخ للتطوع في هذا المشروع طوال الأجازة الصيفية والاشراف على زملاءهم من باقى الكليات ويمكن أن تكون هناك بعض الحوافز مثل الدرجات وخلافه.
تخيلوا معى مئات الآلاف من الطلاب ولن أقول الملايين وهم ينضمون إلى هذا المشروع القومى لارشفة كل المستندات والدفاتر والوثائق.. الخ من خلال المسح الضوئى وإدخال البيانات على أجهزة الكومبيوتر.
هذه الخطوة هى حجر الأساس التى تضمن الانتهاء من المشروع في خلال عام على أقصى تقدير،
أما أجهزة الكومبيوتر والماسح الضوئى فأمرها سهل، بالاستفادة من مئات الآلاف من هذه الأجهزة الموجودة في الوزارات والجامعات والهيئات.
عصافير الصين
وأستحضر مع الفارق هنا ما فعلته الحكومة الصينية عندما وجدوا أن العصافير تلتهم كميات ضخمة من القمح، فأصدرت الأوامر للمواطنين بالنزول للشوارع يقرعون على الأواني حتى لا تستطيع العصافير الوقوف على فروع الأشجار فتضطر للطيران دون توقف وتسقط ميتة من الإعياء..
بالإضافة إلى ذلك كانت هناك مسابقات نظافة بين الشركات والأجهزة الحكومية والمدارس، وكانت هناك مكافآت لمن يقوم بتسليم أكبر عدد من ذيول الفئران والحشرات والبعوض والعصافير الميتة.
ونجحت الحملة ورغم بعض الملاحظات لكننى استدعى هذه التجربة في هذا المشروع القومي ومثله من مشروعات، للاستفادة من القوى البشرية، خاصة وأن طلابنا أقرب من الآباء للتكنولوجيا الرقمية من جهة بالإضافة الى الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعى التى يمكن أن تحل هذه المشكلة بشكل كبير.
تجربة حية
ذهبت لاستخراج بيان نجاح للثانوية العامة من إدارة مصر الجديدة التعليمية، والحمد لله وجدت دفتر القيد منذ عام 1981 رغم التخوف من ضياعه أو تلفه، ولكن المفاجأة أنه موجود لكن المعلومات ناقصة مثل اسم اللغة الأجنبية الأولى واللغة الأجنبية الثانية المدونة في الدفتر..
ورغم الجدل والذهاب أكثر من مرة إلى إدارة الامتحانات فشلت في إثبات أن اللغة الأولى كانت الإنجليزية والثانية هى الفرنسية، رغم أن هذا التاريخ لم تكن هناك لغات ثانية غير الفرنسية والإنجليزية في المرحلة الثانوية..
أهدى هذه الواقعة للدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم لحل هذه المشكلة ومن جذورها، والحل النهائى يكمن في ربط كل أرشيف وزارة التربية والتعليم، بحيث يمكن استخراج أى مستند في أى مكان وبالرسوم التى يمكن أن تعوض على المدى الطويل ما تم إنفاقه طبعا بعد الدخول في المشروع القومى للأرشيف الإلكتروني للدولة المصرية.
yousrielsaid@yahoo.com