ليس كمثله شيء
عندما نتحدث عن الله عز وجل يجب أن نتحدث من حيثية "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ". فالله تعالى لا تحيط به العقول ولا تدركه الأبصار. ولا يشار إليه سبحانه وتعالى بأين وهو خالق كل أين. ولا يشار إليه تعالى بكيف. وهو جل جلاله الذي لا شبيه له ولا ند ولا ضد له ولا كيف له ولا شريك معه. والله تعالى واحد أحد فرد صمد. صفاته تخالف صفات خلقه. فيقابل ضعف الخلق قوته عز وجل. وعجز الخلق قدرته سبحانه. وجهل الخلق علمه تبارك في علاه. وفناء الخلق بقاءه وموت الخلق بحياته سبحانه فهو الحي القيوم الباقي بعد فناء كل شيء.
والله عز وجل من حيثية الذات تعجز العقول وتقصر الفهوم وتخيب الظنون في معرفة كنه هو. إذ أنه لا يعرف الله إلا الله. آياته ظاهرة جلية ناطقة بلسان العظمة والقدرة والإبداع والتفرد والوحدانية والإحاطة والقيمومية. آيات تنطق بتوحيده وتفرده وتشهد له تعالى بالقدرة المطلقة التي لا يعجزها شيء والهيمنة وقيموميته عز وجل.
وصدق القائل "وله في كل شيء آية دلت على أنه الواحد". له جل جلاله الأسماء الحسنى والصفات العليا منها صفات الجمال وصفات الجلال وصفات الكمال وصفات الرحمة وكلها صفات مطلقة تليق بعظمة ذاته جل جلاله. إليه تعالى تنسب حضرة الربوبية فهو سبحانه رب العالمين القائم على أمرهم والمدبر لشئونهم. أوجد الوجود من العدم بقدرته ورفع السموات بغير عمد وبسط الأرض على ماء جمد وأعقب الليل بالنهار وجعل لك شيئ قدرا ومقدار. خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى وجعله غثاءا أحوى.
الرحمة الإلهية
عليم بخلقه من قبل أن يخلقهم خبير بسرائرهم. يعلم ما كان من قبل أن يكن. ويعلم ما هو كائن وما سيكون. أحاط بكل شيء علما. عزيز لا يرام متنزه عن العلل. لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية. قائم بذاته والكون كله قائم بإمدادات قيموميته. فعال لما يريد وأمره بين الكاف والنون إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون.
تسمى بالرحمن فهو رحمان بجميع خلقه وهو تعالى القائل "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ". وتسمى بالرحيم مشيرا إلى رحمته الخاصة بعباده المؤمنين. لا معقب على حكمه ولا راد لقضاءه. لا يطاع بإكراه. ولا يعصى بغلبة. فعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما أراد. جعل لنا الاختيار في الأمر وجعل الثواب والعقاب والجنة والنار.
مراده تعالى فوق أمره "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ". وهو الحي القيوم الدائم الباقي الوارث الذي لا يفني. "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ" كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.
كتب الفناء على كل شيء وتفرد بالربوبية والبقاء. وهو القاهر فوق عباده. وهو النافع الضار. وهو الملك القدوس. تقدست أسماءه وتنزهت صفاته وتعالت ذاته عن المعرفة والإحاطة والكيف والإدراك. وهو تعالى الجامع لصفات التنزيه المطلقة لكونه "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ". ولصفات التشبيه لقوله "وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".
له ما شاء في عباده وخلقه. يصطفى ويجتبي من يشاء ويهدي إليه من ينيب "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ". وربك يخلق مايشاء ويختار. مراده منا الحب وأن نقيم شريعته ونهتدي بهدي رسوله ونبيه صلى الله على حضرته وعلى آله وصحبه وسلم حتى نحقق الضرورات الخمس لسلامة الحياة وسعادة البشر وحتى تستقيم بنا الحياة.
وهي "حفظ الدين. وحفظ العقل. وحفظ النفس. وحفظ المال. وحفظ النسل". وحتى نحقق الدور المنوط بنا في استخلافنا في الأرض والذي يتمثل في ثلاث وهي عمارة الأرض وإثراء الحياة عليها. نعمر ولا نخرب. نبي ولا نهدم نصلح ولا نفسد.. ثم نشر الرحمة الإلهية بين الخلق. ثم إقامة العدل الإلهي في الأرض. وقد كان من رحمته عز وجل وعظيم فضله أن فتح لنا باب المدد والعون الإلهي والإستعانة به عز وجل وطلب الهداية منه حيث أمرنا في فاتحة الكتاب أن نقول “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ”.