رئيس التحرير
عصام كامل

في رحاب نفيسة العلوم

عزيزي القارئ بمناسبة تجديد مسجد وافتتاح مقام السيدة نفيسة عليها السلام، أتحدث على قدري المحدود عن حكايتي وارتباطي الروحي بحضرتها، وعن بعض مناقبها الكريمة وسيرتها الطيبة العطرة، السيدة نفيسة هي حبيبة ومعشوقة المصريين مسلمين ومسيحيين بل حبيبة قلوب المحبين لآل البيت الأطهار في أنحاء المعمورة.  

وهي كريمة الدارين وسيدة أهل العلم والتصريف وهي من جعلها الله تعالى خير وبركة لمصر وأهلها، منذ قرابة الخمسون عاما كان أول ورودي على مسجد السيدة نفيسة، ولا ولن أنسى ما حدث لي عند دخولي على مقامها الطاهر ومرقدها الشريف، لا ولن أنسى ذلك المسك وتلك الروائح الذكية التي فاحت عند دخولي مقامها الشريف، وكذلك تلك الراحة النفسية والهدوء والسكينة التي غمرت قلبي وروحي.. 

ولن أنسى ذلك الإحساس الذي شعرت به عند قدومي على مرقدها الطاهر ومقامها الشريف، فقد شعرت بإحساس لم أشعر به من قبل أعجز تماما عن وصفه. إحساس متعلق بإتصال روحي أشار إليه النبي الكريم صلى الله على حضرته وآله وسلم بقوله "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف".. 

ومن ذلك اليوم ارتبطت روحي بحضرتها وساحتها الكريمة وكان من فضل الله تعالى على أن أذن لي بعقد مجلس علم يوميا في رحابها امتد قرابة الأربعين سنة، وإليك عزيزي القارئ بعض النفحات والكرامات التي عايشتها في رحابها رضي الله عنها، ومعلوم أن هناك فرقا بين من يسمع الكرامات ومن يعايشها، فشتان ما بين من يسمع عن سيدتنا السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها وبين من يعايش نفحاتها وسرها وبركاتها..

وما أصدق لسان أهل المعايشة، وقبل أن أتحدث عما عايشته في رحابها الطاهر يطيب لي التحدث على قدري المحدود عن السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها.. فهي كريمة الدارين وسيدة أهل العلم وسليلة آل بيت النبوة الأطهار، فهي إبنة سيدي حسن الأنور بن سيدي زيد الأبلج، ابن سيدنا الإمام الحسن بن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.. 

نشأة السيدة نفيسة

لم يعرف نسب أشرف ولا أطهر ولا أجل من نسبها، نسب أهل بيت النبوة الأطهار الذين خصهم الله تعالى بالذكر والتكريم والثناء في قرآنه الكريم من ذلك قوله تعالى: “رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ”.. وقوله عز وجل: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا”..


هذا وقد جعل الله تعالى مودتهم فرض على الأمة الإسلامية بأسرها حيث قال سبحانه: “ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ”.. ولدت رضي الله عنها في يوم الأربعاء 11 ربيع الأول عام 145 هجري بأشرف بقاع الأرض بمكة المكرمة، ونشأت في أحب بقاع الأرض إلى الله تعالى المدينة المنورة، دار الهجرة ومسكن ومقام جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله..


نشأت وتربت على العبادة والذكر والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة.. حفظت رضي الله عنها آيات كتاب الله تعالى في حداثة سنها، وتلقت علوم الشريعة على يد أبيها، وكانت تترد على مسجد جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله لتستمع إلى الإمام مالك إمام دار الهجرة، وثاني الأئمة الأربعة رضي الله عنهم.


وما أن تجاوزت الثانية عشر من عمرها إلا وكانت عالمة فقيهة  في كل مجالات علوم الدين.. أحبت الخلوة فلازمتها زمنا طويلا.. عشقت القرآن فكانت تتلوه ليل نهار حتى أصبح لها بمثابة الهواء والماء لأي كائن حي.. حفظت آياته والتزمت بتعاليمه وأحكامه وأقامت حدوده. وأحلت حلاله وحرمت حرامه.. تدبرت معانيه وفهمت مغازيه..

تفاعلت بحسها السامي مع روح كلماته المباركة فتجلت لها أسراره وبرزت لها معانيه وأنوار معرفته فعلمت عن قائله سبحانه وتعالى حكمته ومراده فإزداد تعلق قلبها الطاهر بربها تعالى فأقبلت عليه عز وجل إقبال صفوة أهل المحبة بهمة تعلو همة الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه..

وعلى أثر ذلك عزفت نفسها الكريمة عن الدنيا بحظوظها الفانية ونعيمها البالي، فعفت على حراميها وزهدت في حلالها، وتورعت في الضروري للحياة منها وكانت رضي الله عنها فيها عابرة سبيل.. ساست نفسها الكريمة وأخذتها بالعزم والحزم والشدة فساقتها إلى ميادين العبودية وأقامتها في ميادين الخدمة والطاعة..

عملت بعقلها الرشيد في هوى نفسها الطيب فكان هواها تبعا لما جاء به جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله من الهدى والنور والرشاد.. استدامت على تقوى الله تعالى والعبادة والذكر حتى تم لها الفناء الكامل في محبوبها سبحانه وتعالى.. لم تنظر إلى نفسها الكريمة يوما بعين الكمال بل كانت تنظر إلى نفسها الطاهرة الكريمة بعين النقص.

وعن ذلك تحدثنا زينب إبنة أخيها سيدنا يحيى المتوج فتقول "خدمت عمتي نفيسة اربعين سنة فما رأيتها نامت بليل ولا أفطرت بنهار حتى ضعف جسدها الطاهر ونحل، فأشفت عليها فقلت لها يوما'.. ألا ترفقين بنفسك يا عمتاه؟ فقالت رضي الله عنها "يا زينب كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات لا يتخطاها إلا الفائزون".

عن أي عقبات تتحدث سيدتنا الكريمة وهي صاحبة النسب الشريف والذي لا يرقى إليه نسب.وهي العابدة الناسكة الزاهدة التقية النقية العفيفة الطاهرة صاحبة العلم النفيس وسيدة أهل التصريف.. عزيزي القارئ هذا ما سوف أتحدث عنه في المقال التالي بمشيئة الله تعالى، فرضي الله عن سيدتنا السيدة نفيسة وأرضاها.

الجريدة الرسمية