حزب مستقبل وطن.. معارك فى فضاء الوهم!
ومبلغ علمنا أن السادات عندما أراد الخلاص من حزب مصر صاحب الأغلبية أنشأ الحزب الوطنى الديمقراطى، فما كان من قيادات حزب مصر إلا أن هرولوا إلى الحزب الجديد، فكتب مصطفى أمين مقاله الشهير المهرولون، واصفا فريق المصالح العابر كل زمان ومكان إلى حيث مصلحته.
وحزب مستقبل وطن أنشئ على ذات الطريقة، حيث بدأ حزبا عملاقا من حيث الشكل، أما المضمون فهو نفسه مضمون المهرولين إلى حيث المصلحة، وهذا بالطبع لا يجوز تعميمه، فحزب الأغلبية يحظى بعدد غير قليل من الكفاءات وعدد غير قليل من أصحاب المصالح الذين انضووا تحت راية الحزب الجديد من أجل شيء واحد ووحيد وهو المصلحة.
الأصل فى الأحزاب أن تنشأ شعبويا أو جماهيريا، أى أنها تولد من حركة جماهيرية تتفق فيها مصالح الأعضاء مع مصالح الوطن، وتلتف حول برنامج واضح ومحدد الأهداف والرؤى، أما مسألة البرنامج فإنى على يقين أن أغلبية من حزب الأغلبية لم يقرءوا برنامج الحزب الأضخم فى مصر الآن.
ومن المعروف أن العمل الحزبى ممارسة علنية يعرفها القاصى والدانى، وتستهدف جمع أكبر عدد من المواطنين حول رؤية الحزب فى الاقتصاد والسياسة وكافة مناحى الحياة، أما حزب مستقبل وطن فإنه يدار بشكل سرى، أى أنك لا تستطيع أن تعرف ما يدور فى الحزب إلا بطريقة الاختراق، وهو أمر غريب وعجيب وشاذ.
مستقبل وطن والحزب الوطنى
تدور الآن معركة داخل حزب مستقبل وطن حول زعيم الأغلبية السيد أشرف رشاد، وهو بالمناسبة مستجد على العمل السياسى، وقد وجد نفسه إذ فجأة زعيما للأغلبية، المهم أن المعركة الآن حول تغيير شخصية زعيم الأغلبية لإدارة المرحلة القادمة بكل ما فيها من مهام حساسة للغاية.
ومن المتعارف عليه أيضًا أن تكون هناك معارك جانبية داخل أى حزب بين قادة يختلفون في رؤاهم حول العمل المرحلى، ولكن من غير المنطقى أن تدار هذه المعركة وكأنها حرب سرية لا بد فيها أن يباغت الخصم خصمه ويضربه فى مقتل.
وأظن أنه ليس مهما من يدير المرحلة القادمة، وليس مهما أن نعرف أسماء المتعاركين، رغم أننا نعرفهم جيدا، ولكن الأهم هو السؤال المنطقى: هل حزب مستقبل وطن قادر على تحمل المسئوليات السياسية في المرحلة القادمة؟ وهل المنضوون تحت رايته يدركون حجم التحدى الحقيقى؟ وهل فعلا هم مهتمون ومهمومون بمصالح العباد والبلاد؟
بعيدا عن التشكيك كما ذكرت سابقا فإن الحزب يحظى بعدد من الكفاءات غير أن من يقفون فى أول الصف على غير ذلك، ودليلنا أن حزب الأغلبية يعانى من جهل الناس به والناس هم عماد العمل السياسى فلو سألت مواطنا في الشارع عن اسم حزب الأغلبية سيقول لك دون تردد: «الحزب الوطنى».
والناس معذورون فيما يظنون أو يعرفون، فكثير من قادة الحزب الوطنى هرولوا إلى الحزب الجديد كما حدث قديما مع السادات، أضف إلى ذلك أن حزب الأغلبية بدأ من حيث انتهى الحزب الوطنى، فقد شاخ الحزب الوطنى عندما تحول إلى تجمع مصالح وليس حزبا سياسيا، وهو الأمر الذى بدأ به مستقبل وطن حياته منذ الولادة!
مستقبل حزب مستقبل وطن
أيضًا فإن حزب مستقبل وطن أدار المعارك الانتخابية بطريقة أقل ما توصف به أنها طريقة بلدى، وقد ساعده فى ذلك النظام الانتخابى، وأبلغ مظهر من تلك المظاهر طريقة اختيار المرشحين والاحتياطى، وهو أمر كان ولا يزال فكاهيا وساخرا إلى حد البكاء.
لماذا نرى أنه لا مستقبل لحزب مستقبل وطن؟ الإجابة ببساطة أن ولادته كانت ولادة أنابيب، وأن طريقة بنائه لم تختلف كثيرًا عن بناء فريق بيراميدز فى كرة القدم، محاولة جمع أكبر عدد من الأغنياء وفق تسعيرة يعرفها العامة قبل الخاصة دون النظر في كفاءة وقدرة ووعى المنضم إلى الكيان الجديد.
وحزب ينشأ بتلك الطريقة سيكون فرار أعضائه منه حتميا إلى أى حزب جديد يقع عليه الاختيار ليكون فى أول الصف بسبب غياب الفكرة والإيمان بها والعمل من داخلها والتزاما بها.. باختصار هو حزب بلا أدبيات ولا تاريخ ولا برنامج مغرٍ يجمع من حوله المؤمنين به.
أتذكر دوما كلما هزم فريق بيراميدز فإن صاحبه يردد على العامة أنه مستمر فى الاستثمار الرياضى، وهو إعلان بموت الفريق والفكرة قبل أن يكون طمأنة لأعضائه.. هو الأمر ذاته، فطالما استمر صاحب حزب مستقبل وطن في الاستثمار فيه يطمئن أعضاؤه إلى حين.
وآفة الفعل أن يظن القائمون على حزب الأغلبية أن الجماهيرية تصنع بكراتين الأرز والسكر والزيت، فيتمادى في إهانة الناس على الملأ وبطريقة تستفز مشاعر الجماهير قبل أن تصنع له أغلبية، وهى طريقة أجادتها جماعة الإخوان الإرهابية، ولكنها كانت تفعل ما تفعل بطريقة محترفة تحفظ للمحتاج كرامته.
يتبارى قادة حزب مستقبل وطن فى تصوير ونشر سيارات تحمل من المواد الغذائية الكثير لتوزعها بإهانة واستهانة على جماهير أفقرها عمل سياسى تورط فيه حزب الأغلبية أكثر من غيره من الأحزاب، وكأننا نقول سننسج خطا سياسيا يفقر الناس، ثم نمدهم أمام الكاميرات بمساعدات مهينة.
أضف إلى ذلك صعود بعض رموز الفساد على الساحة دون القيام بعمليات تطهير ذاتى يتخلص فيها الحزب من وجوه أصبح وجودها سوسا ينخر في وجود الحزب ذاته مع ممارسة برلمانية ساذجة تمارس حق النقد بإشارة وتمارس ذميمة المدح بإشارات، فلا تستطيع أن تعرف موقفا منهجيا للحزب من القضايا الحياتية الملحة.
وخلاصة القول: إن معركة اختيار زعيم للأغلبية رغم حدتها يجب أن تكون فى محيطها المحدود، ولا تتمدد في الفضاء الوهمى، لأن ما ينتظر حزب الأغلبية من معارك وتحديات سيكون فاصلا بين مرحلة ومرحلة، وبين فترة وفترة قد تتغير الوجوه دون أن تتغير السياسات، وهنا تكون نهاية كيان يعانى الإفراط في الضخامة دون شرايين تكون قادرة على جعله حيا ينبض.