الدكتور طارق كامل كما أعرفه

اقتربت بحكم عملي الصحفي في مجال الاتصالات من الوزير الراحل الدكتور طارق  كامل وزير الاتصالات الأسبق الذي جمع بين الوزير الكفء الفاهم لتفاصيل عمله، وبين الوزير السياسي الذي يملك الحس السياسي والفهم الواسع لمقتضيات المنصب وهو ما نفتقده في وزراء كثيرين يغرقون في التفاضيل وينسون أنهم وزراء في الأساس!

الدكتور طارق كامل كان وزيرًا بدرجة إنسان، خبيرًا في قضايا حوكمة الإنترنت العالمية، ومبدعًا حقيقيًا قاد قطاع الاتصالات لثورة وطفرة هائلة استحق بها لقب الأب الروحي لهذا القطاع كأحد مؤسسيه البارزين، كما استحق أيضًا أفضل وزير اتصالات في القارة أطلقته عليه دولة جنوب أفريقيا، وهو ما أوافقها تمامًا عليه.. 

ذلك أنه حين تولى وزارة الاتصالات في يوليو 2004 وحتى فبراير 2011، كان حلمه كبيرًا أن نصل بتصدير البرمجيات وتجارة التعهيد وغيرهما إلى مليارات الدولارات.. كما قام بجهود كبيرة لإصلاح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطوير خدمات الاتصالات وصناعة الإنترنت في مصر، وقاده بالفعل لإنجازات كبرى. 

عمل مستشارًا أول لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لمدة خمسة أعوام قبل أن يصبح وزيرًا للاتصالات، (وهو ثاني وزير بعد الدكتور أحمد نظيف)، وقاد خلالها عددًا من المبادرات القومية الهادفة لنشر استخدام تكنولوجيا المعلومات بين مختلف شرائح المجتمع المصري، وتعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع القطاعات، وشكلت جهوده، إلى جانب جهود الدكتور أحمد نظيف (أول وزير اتصالات في مصر)، عاملًا رئيسيًا في إنشاء وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. 

تخرج الدكتور طارق كامل في هندسة القاهرة عام 1985 وحصل على الدكتوراه من جامعة التكنولوجيا بميونيخ بألمانيا 1992، وقد  بدأ حياته المهنية مهندسًا لدعم شبكات بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ثم أصبح باحثًا مساعدًا في معهد بحوث الإلكترونيات. وبعد عودته من ألمانيا عمل مديرًا لقسم الاتصالات والشبكات بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وحصل على درجة الأستاذية بمعهد بحوث الإلكترونيات. 

حاسب لكل بيت

وخلال الفترة من 1992 إلى 1999، أنشأ الاتصال الأول بالإنترنت في مصر، كما قاد إدخال خدمات الإنترنت التجارية في مصر وأسس جمعية إنترنت مصر وعمل على بناء استراتيجية وطنية للارتقاء بهذا القطاع الحيوي.

قاد الدكتور طارق العديد من المبادرات الوطنية لزيادة انتشار الإنترنت والإنترنت الفائق السرعة في مصر، ومن أهمها مبادرة حاسب لكل بيت، وهو ما أسهم في انتشار الإنترنت عندنا، حيث وضع شرائح مختلفة للمجتمع المصري تتيح للجميع الاشتراك الشهري مما سهل التوسع في التطبيقات وتكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال بين الشباب.

كما كان المؤيد الرئيسي لبرامج مصر المعنية بإصلاح وتحرير قطاع الاتصالات، وقد لعب دورًا محوريًا في تطوير وتمكين صناعة التعهيد والنقل إلى الخارج في مصر. وخلال فترة توليه منصب وزير الاتصالات، قاد الفريق المحلي والعالمي لصياغة استراتيجية وطنية وتنفيذها مما جعل مصر نموذجًا إقليميًا له دور في مراكز الاتصال وتعهيد نظم الأعمال وتعهيد خدمات المعرفة والخدمات القائمة على الابتكار. 

تدريب الشباب

وفي عهده تم طرح رخصة المحمول الثالثة ورخص الجيل الثالث والرابع التي أدخلت 35 مليار جنيه لخزينة الدولة، كما عمل على جذب العديد من الشركات الدولية للعمل في مصر، ونجح في استحواذ الشركة المصرية للاتصالات على 45% من حصة فودافون مصر، وأطلق مركز الإبداع وريادة الأعمال.

كما ظهر أيضًا في عهده عدد من الصحف والمجلات المتخصصة في الاتصالات والتكنولوجيا حتى أن البعض أطلق عليه عصر صحافة تكنولوجيا المعلومات، وأفخر بأنني أول من حرر صفحتين كاملتين في الجمهورية الأسبوعي لهذا الغرض كانتا بعنوان "معرفة بلا حدود" ثم تبعتني بعدها جرائد أخرى.

وكان رحمه الله مهتمًا بتدريب الشباب وتوفير فرص عمل له في مجال التعهيد بما تملكه مصر من موقع فريد كبوابة لأفريقيا والعالم، وهو من أنشأ المنطقة التكنولوجية بالمعادي، وأحدث تطويرًا حقيقيًا في مكاتب البريد وأسهم في خلق فرص عمل كثيرة للشباب في شركات عالمية تستثمر في مصر.

إيمان البحر درويش.. لماذا نتركه نهبًا للمرض؟!

الزمن الجميل الذي نفتقده!

تميز الدكتور طارق كامل بالتفاني والإخلاص في عمله وحين داهمه المرض الخبيث بعد تركه لمنصبه اضطر للعمل  لتوفير نفقات علاجه، وتقدم لمسابقة دولية اجتازها بنجاح كبير للعمل مستشارًا لـ"أيكان" العالمية للشئون الحكومية.
ولد  د.طارق كامل في 8 مايو 1962 ورحل عن دنيانا في أكتوبر 2019 بعد رحلة معاناة مع المرض الخبيث رحمه الله رحمة واسعة.