الزمن الجميل الذي نفتقده!
الزمن الجميل، لفظ كثر تداوله في حديث الناس عن ذكريات جميلة مضت، وكلما ضاقت بهم ظروف الحياة وساءت حظوظهم فيها إشتد حنينهم لما مضى من أيام باتت في خلدهم ويقينهم زمنًا جميلًا، لا يسأمون من ذكر مآثره المحببة إلى نفوسهم بل إنه ملاذ يأوون إليه ويستجيرون به من قسوة زمانهم الذي فيه يعيشون.
وإذا تتبعت تعبير الزمن الجميل في حكايات الناس عبر مواقع التواصل أو في محاثاتهم ومحاوراتهم التلقائية أو في كتاباتهم ومحادثاتهم لوجدتها تدور حول وصفهم لزمن الذكريات المؤثرة عندهم.. ولكلٍ إنسان زمنه الجميل، فالطفولة والصبا زمن جميل للشباب، وفترة الشباب هي زمن جميل لمن جاوزها واستهل أيام الكهولة والضعف والفراغ وربما أثقلها المرض والوجع.
ولا عجب أن ترى الناس يتحاكون عن الفن أو الغناء في زمنه الجميل؛ يوم كان الفن رسالة، والغناء طربا يرقى بالنفوس ويعلو بالقلوب في مدارج الإحساس الصافي والشعور الراقي قبل أن يتحول إلى السوقية والخبط والضوضاء التي تهدم الذوق وتنحط بالشعور الإنساني النبيل وتلقي به في غياهب التلوث السمعي.
التمسك بالزمن الجميل
ورغم مرور وقت طويل على رحيل عمالقة الفن والغناء؛ أم كلثوم وحليم والأطرش وعبدالوهاب لكن فنهم لا يزال خالدًا بمعانيه ورسالته وحسن أدائه الذي يقتحم القلب بلا استئذان.. ورغم طول المدة التي تفصلنا عن رحيل تلك القمم الشاهقة فإن أجيال اليوم تنجذب إلى أصواتهم وتعيش مع فنهم لحظات حلوة، ربما لا يجدون مثيلًا لها مع مغنين أو ملحنين من عصرهم الذي ابتلى بالتفاهة والسطحية وانحدار الذوق.
التمسك بالزمن الجميل ليس انغلاقًا ولا ردة للماضي ولا إغراقًا في سراديبه بل حنين طبيعي لجزء عزيز فقدناه وأيام حلوة عاشها أبناء هذا الزمن بكل تفاصيله.. ولن تعوض، ولولا أنها باقية في الوجدان ما احتمل أصحاب النفوس المرهفة والمشاعر الصافية قسوة زمن تبدلت به الأخلاق وتراجعت فيه الإنسانية وطغت فيه المادة حتى صرنا على أبوب عصر سوف تتحكم فيه روبوتات الذكاء الاصطناعي المجردة من كل شعور والمعطلة من كل إحساس.
وصف الزمن الجميل ربما يعطينا انطباعا بأن ما عداه لم يصبح جميلا مقارنة بتلك الايام الجميلة الفائتة من العمر.. وهذا صحيح؛ فثمة تردٍ في الأذواق عامة، كما أن هناك ترديًا وتراجعًا جعلا هذا الزمان ثقيلًا على مستويات مختلفة كثيرة وهو ما يجعلنا نترحم على الأيام الخوالي, فالمعاناة كبيرة, وهموم الأمة تتزايد , وهموم الأفراد وأحزانهم تزداد كلما أوغلنا في البعد عن الزمن الجميل الذي نفتقده!