ليالى الرعب في الثانوية العامة
في بيتنا ثانوية عامة.. يعنى إعلان حالة الطوارئ في أي أسرة بها طالب ثانوية عامة.. ويعيش الآن نحو 800 ألف أسرة أجواء الثانوية العامة بعد مارثون عام من السباق واللهاث فى السناتر والدروس الخصوصية التى تلتهم مليارات جنيهات من جيوب نحو 30 مليون أسرة فى مراحل التعليم المختلفة..
فوفقا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء 2019-2020، بلغ إنفاق المصريين على التعليم 482 مليارًا و247 مليون جنيه. وبعد نحو 3 أعوام من هذا التقرير وزيادة عدد الطلاب وارتفاع التضخم والأسعار ونار فيزيتا الدروس الخصوصية لا أبالغ اذا قلت إنها اقتربت من ألف مليار جنيه.
والثانوية العامة لها نصيب كبير من هذه الفاتوره التى تبدأ عادة بالحجز عند أباطرة الدروس الخصوصية من شهر إبريل ومايو السابقين للعام الدراسى.. ورغم أن القانون يجرم نشاط الدروس ويفرض غرامات لكل من أعطى درسا خصوصى في مركز تعليمى أو مكان مفتوح، إلا أن الواقع غير ذلك..
الدروس الخصوصية
انتشرت السناتر التعليمية على مستوى محافظات مصر بعد أن حلت محل المدرسة وبشكل لا مجال للتشكيك فيه لدرجة أن مواعيد بعض الحصص في السناتر هى نفس مواعيد المدرسة، وعبر عن ذلك قول صادم لبعض أوائل الثانوية العامة في السنوات السابقة: الذهاب إلى للمدرسة مضيعة للوقت، ويتساءل البعض بتهكم: هو فى حد بيروح المدرسة؟
والحكايات والطرائف لا تنتهى، ففى عالم السناتر.. الصراع على أشده بين أباطرة الدروس الخصوصية، المستر ثم مساعدون ومنافذ حجز للمذكرات وخدمة توصيلها دليفرى بسعر مضاعف ومراكز تصوير وتحويلات أموال ومتابعة بالموبايل لمن يتغيب عن حصة وربط كل حصة بمذكرة وطبعا فلوس جديده وتسجيلات أون لاين..
وكل تسجيل لا يفتح إلا بكود يتم الحصول عليه بعد تحويل الفلوس أو دفعها في مراكز معينة، عالم منظم بدقة هدفه استنزاف ميزانية الأسرة، الجراجات تحولت إلى سناتر وانتشرت فى أرجاءها الشاشات والسماعات ال دى جى، والمسارح والقاعات تحولت إلى سناتر ونافست أسعارها الأفراح..
وانتشرت القاعات وشاشات العرض إلى جانب القاعة الرئيسية أو المسرح حيث يقف المستر شحما ولحما يشرح وينتشر المساعدون بين الطلاب وفى الخارج يقف البودى جاردات، وتحول البعض إلى أراجوزات يغنون ويرقصون بعد تلحين بعض المعلومات ليسهولون حفظها..
وتختلف قيمة الحصة الواحدة من حى لآخر ومن محافظة إلى أخرى، واسم المستر هو الذى يحدد الفيزيتا، وبعض أساتذة الجامعة أو المهندسين احتلوا المشهد.
ومع استمرار هذه المرحلة بدأت مرحلة الأون لاين حيث نصبت المنصات على شبكة الإنترنت، أحيانا بث حى وغالبا تسجيلات لا تفتح أكثر من مرتين مقابل دفع ثمن الكود الذى يفتح الحصة والثمن لا يقل عن 100 جنيه فى الحصة الواحدة وبعدها تغلق الحصة من المنصة..
وطبعا عدد المستفيدين من هذه التقنية لا يمكن حصره لأن الفضاء الإلكترونى لا نهاية له، يعنى تحول الجراج والمسرح والقاعة في عالم الواقع إلى منصة الكترونية ضخمة تتسع للملايين إذا وجدوا،
ولكن هل ينتهى الأمر مع شرح المستر، لا.. هناك حصص للمساعدين للحل والمتابعة مع الطلبة..
وتبدأ السبوبة الكبرى بعد انتهاء الشرح حيث مرحلة المراجعة وبدلا من الحصة الواحدة في الأسبوع تكون اثنتين وثلاثه وبدلا من الحصتين تكون أربعة وخمسة وكله بحسابه وبدلا من مذكرة واحدة لكل فصل من المنهج تكون هناك مذكرة لكل حصة وكله بحسابه.. أعتقد أن الضرائب عن هذا العالم ستكون حصيلتها ضخمة.
لجنة الامتحان
وتصل ذروة التوتر مع بدء الامتحانات.. قلق الأباء والأمهات أكبر بكثير من قلق الأولاد.. والشكوى من نسيان كل شئ هم ليلة الامتحان وهى شكوى طبيعية لكل من يقترب من الامتحان، وتتضاعف محاولات التهدئة من الأباء للأولاد، في الوقت الذى يحتاجون هم لمن يهدئهم..
أمام إحدى اللجان عشت تجربه الدقائق الأخيرة.. البعض يمسكون بين أيديهم مذكرات الدروس يراجعون فيها إلى آخر دقيقة.. أم تصطحب ابنتها فى سيارتها قبل الامتحان بساعة وتجعلها تراجع حتى التاسعة إلا خمسة، أب يصطحب أبنه ومظاهر الإعياء من السهر واضحة..
أخر يتأبط أبنه ويبدو أنه قادم به من مستشفى قريب في حالة ارتفاع ضغط دم نتيجة التوتر والقلق، بنت تأتى جريا وخلفها زميل آخر يسرع الخطي...كلب يعانى من الوحدة طوال الليل فى هذا الشارع الجانبى، يفتح عيناه على أصوات العشرات من الطلاب وأولياء الأمور، يتثائب ويهز ذيله شاكرا لمن بددوا وحدته الطويلة.
سياج أمنى مفروض حول المدرسة لمنع السيارات من المرور بعد طرح بدائل أخرى حتى لا تزعج الكلاكسات الطلاب أثناء الامتحان أو أى منغصات أخرى، الكثير من المواطنين يلتزمون والبعض يجادل والرد الحاسم الحازم وبكل احترام: ممنوع يا أفندم المرور.. هنا لجنة امتحان ثانوية عامة
على باب المدرسة سؤال حاسم: هل معك موبايل ؟!
وحين يجيب الطالب بنعم يطلب منه تركه خارج اللجنة وهنا يتبرع بعض أولياء الأمور بأخذ موبايلات بعض الطلبة وهم لا يعرفونهم بشكل مباشر ولكن يكفى أنهم زملاء أولادهم وللدرجة التى رأيت فيه شنطة سيدة وقد أنتفخت بالموبايلات.. قلت في سرى: ربنا يستر ولا يتسلل اللصوص إلى هذا المكان.
ثلاثة طلاب يأتون قبل التاسعة بخمس دقائق ومعهم موتسيكل، يحتارون في الركن أمام المدرسة الممنوع الركن أمامها.. أحد أولياء الأمور يجلس على الرصيف خارج السياج الأمنى يقول بطيبة ورقة بالغة: أركن هنا يابنى وأنا هخلى بالى وخش ألحق امتحانك..
الابتسامة غائبة والوجوم يسكن الوشوش عند التاسعة وبدء الامتحان.. خيط المشاعر لم ينقطع.. توتر الأبناء في الداخل يرد عليه قلق الأباء في الخارج.. الامتحان مهما طال وقته، ساعتان، ثلاثة، العشرات من الامهات والأباء يجلسون على المقاه المحيطة أو حتى الرصيف بعد البحث عن بقعة ظل في هذا الحر..
الطلاب لا يمتحنون في اللجان وحدهم.. أولياء الأمور معهم في الخارج يمتحنون.. مع بدأ الامتحان.. القلق والتوتر ليس بالداخل فقط حيث اللجان ولكن بالخارج محفور على الوجوه وللدرجه التى يمكن أن تسمح دقات نبض القلوب..
بعض أولياء الأمور يبحثون في الموبايل عن أى أخبار، بعد بدء الامتحان بدقائق.. والبعض يستغل الفرصة على شبكات التواصل الاجتماعى في نشر شائعة هنا وشائعة هناك عن صعوبة أو سهولة، عن تسريب للأمتحان، حقيقى أو مزعوم..
ونقاشات حول الكيمياء الصعبة رغم مرور أكثر من امتحان بعدها.. لا تقف حبات السبح عن الحركة بين أصابع البعض والبعض الآخر يقرأ القرأن على الموبايل والحافظ يردد في سره.. الشفايف تتحرك بالادعية وآيات القرأن الكريم.. أحد الأباء غلبه النعاس فنام.. ترى من الاجهاد وسهر الليل أم هروبا من وحش الانتظار؟!
yousrielsaid@yahoo.com