رئيس التحرير
عصام كامل

مليارات البشر بلا عمل!

تخيلوا معي هذه السيناريوهات التي بذرت بذرتها منذ سنوات وأصبحت تنمو كالنبت الشيطاني أو خلايا السرطان وبصورة مذهلة.. تخيلوا معي هذا المشهد مليارات البشر تجلس بلا عمل واضعة يدها على خدها!! تخيلو معي أوروبا وبسبب وصول نسبة كبيرة من أهلها إلى الشيخوخة أصبحت تلقب بالقارة العجوز، ولا ينقذها إلا الهجرة من دول العالم الثالث لتجديد شبابها، ماذا ستفعل وقد أصبح سكانها بلا عمل هل سيفتحون أبوابهم للوافدين الجدد!


السبب في ذلك التطورات المذهلة في الذكاء الاصطناعى.. نعم لا أحد ضد العلم، لكن السؤال الساذج الأزلى: هل يكون العلم لخدمة الإنسان أم لتعاسته؟ وهل يكون العلم لرفاهية الإنسان وراحته أم لشقاء الإنسان وبطالته؟


نعم الهدف مثلا في مجال الإنتاج هو زيادة الإنتاج وجودته وتقليل تكلفة الإنتاج ويحقق ذلك الذكاء الاصطناعى، لكن السؤال هل سيكون هناك جدوى إذا لم يجد من يشتريه؟
 

لان الأمر ببساطة مرتهن بالسوق والقدرة الشرائية للمواطنين، فما هي الصورة وقد جلس المليارات من البشر في البيوت بلا عمل بعد أن حلت أجهزة الذكاء الاصطناعى محلها في المصانع والمتاجر والمنشآت، ويكون السؤال هل يمكن أن نقول في وقت قريب.. وداعا للأيدى العاملة؟


انتشار البطالة

نعم سيكون وراء الإجابة الحقيقية وبلغة رجال الأعمال المزيد من الأرباح بدون تكاليف وأجور وحوافز وأرباح وعلاوات ومكافآت.. يعنى أرباحا طائلة بتكلفة أقل وفي وقت أقل وبدون وجع دماغ.. إزاى؟
 

باستخدام الروبوتات وأجهزة الذكاء الاصطناعى محل الإيدى العاملة لذلك هم على استعداد للإنفاق بلا حدود لتطوير هذه الأدوات.. يعنى مضاعفة الثروات في لمح البصر في  حسابات رجال الأعمال في  البنوك.. وبلغة الأيدى العامله البشرية: عشانا عليك يارب!


وإذا كانت البطالة تتزايد الآن في كل أنحاء العالم وبشكل متنامٍ فماذا سيكون الحال بعد سنوات قليلة جدا؟ يؤكد تقرير صادر عن بنك الاستثمار جولدمان ساكس أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل خلال الفترة المقبلة، حيث يتم الآن في جميع أنحاء العالم إسناد بعض المهام والوظائف له.. وبحسب التقرير فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستقوم بمهام ربع الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا.


تخيلوا بعد فترة قليلة جدا سيفقد 25% من العاملين وظائفهم في أمريكا وأوروبا، وستكون أكثر الوظائف عرضة للتهديد هى الوظائف الإدارية والعمل القانوني والهندسة المعمارية والإدارة.
في المقابل يقول التقرير أن فوائد ضخمة محتملة قد تحصل عليها قطاعات عديدة بسبب استخدام هذه التقنيات وستؤدى إلى زيادة القيمة السنوية الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة عالميا بنسبة 7 %.

انتشار الفقر


والسؤال هل سيكون لذلك جدوى إذا لم يجد من يشتري أو من ينعم به.. وألا يؤدى ذلك إلى كساد التجارة بلغة أهل الاقتصاد؟
لأن الأمر ببساطة مرتهن بالسوق والقدرة الشرائية للمواطنين، فما هى الصورة وقد جلست المليارات من البشر في البيوت بلا عمل بعد أن حلت أجهزة الذكاء الاصطناعى محلها في  المصانع والمتاجر والمنشآت.


ستكون النتيجة أن الفقراء سيزدادون فقرا والأغنياء سيزدادون غنى ولكن بشكل فاحش في الجانبين 
طبعا إذا كان أهل أمريكا وأوروبا سيعانون من البطالة فمن باب أولى سيتم غلق الباب نهائيا أمام الهجرة إليها وبالتالى ستزداد هذه المجتمعات عجزا وشيخوخة وسيؤدى منع الهجرة إليها إلى انفجار أو طوفان من الدول الفقيرة التى سيكون وضعها بالتالى أشد بؤسا.


والسؤال ماذ سيفعل البشر بعد أن يجلسون في البيوت بلا عمل وبلا دخل؟ وماذا سيفعل العاطلون وهم يرون الروبوت يبيع لهم ويقدم لهم الشاى على المقهى ويستقبلهم في المطعم.. إلخ ولا يسمع أحد منه جملة: أى خدمة يا باشا بهمز ولمز وسماجة لطلب البقشيش!


ما هو رد فعل السائقين وهم يرون المركبات تسير بلا بشر وتقف في  المحطات ولا تكسر الإشارات أو “تزنق” على سيارات الملاكى التى تسير أيضا وصاحبها يجلس في الكنبة الخلفية يتكلم في الموبايل ولا يشد الحزام ولا يخشى من الرادار؟


هذا لا يعنى أننا ضد هذا التقدم المذهل لكن معرفة خطورته تتضح بعض معالمها مما يكشف عنه رائد الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون في  حوار في  نيويورك تايمز، بقوله أدت المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا الكبرى إلى تقدم لا يمكن لأحد أن يتخيله.. 

التحكم في الذكاء الاصطناعي

فقد تجاوزت السرعة التي يحدث بها التقدم توقعات العلماء ولم يؤمن سوى عدد قليل من الناس بفكرة أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تصبح في الواقع أكثر ذكاء من البشر.. وكنت شخصيا أعتقد أن ذلك لن يحدث إلا في غضون 30 إلى 50 سنة أو ربما أكثر، وبالطبع، لم أعد الآن أعتقد ذلك.


والأمل الوحيد أن يعمل أهم العلماء في العالم يدا بيد لإيجاد حلول للتحكم في الذكاء الاصطناعي.. يقول جيفري هينتون بعد أن استقال من شركه جوجل التى طورت أنظمة قادرة على معالجة كميات كبيرة جدا من البيانات تجعل هذه الأنظمة أكثر كفاءة من الدماغ البشري، وبالتالي فهي خطيرة للغاية.


ويضيف هينتون أن الذكاء الاصطناعي يقضي على العمل الشاق، مضيفا أنه يمكن أن يقضي على ما هو أكثر من ذلك بكثير، فالقضاء على فرص العمل لن يسلم منها حتى الأكثر ذكاء، حتى وإن اعتقد بعضهم أنهم في مأمن من ذلك. 

 

وقال جيفري هينتون ستكون أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية قادرة على تطوير سلوكيات غير متوقعة بعد تحليل كمية كبيرة من البيانات، وقد أصبح هذا ممكنا، لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي تولد الكود الخاص بها وتوجهه، مما قد يحولها إلى أسلحة مستقلة ستكون بمثابه أكبر تهديدات للبشرية.

 

والأخطر من ذلك إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الجهات الفاعلة الخطرة. ومن الصعب معرفة كيفية منع الجهات السيئة من استخدامه لأغراض شريرة.. والكارثة ستكون أشد عند استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، كما يرى هينتون الذى قرر في ثمانينيات القرن الماضي ترك جامعة كارنيغي ميلون في الولايات المتحدة، لأن أبحاثه هناك تم تمويلها من قبل البنتاغون!

 


إذن ما الحل؟ يطالب جيفري هينتون بالتعاون الدولي الذى يشمل كل المختصين في هذا المجال، لكنه يشكك في القدرة على تحقيق ذلك قائلا: قد يكون الأمر مستحيلا.. فلا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت الشركات أو الدول تعمل على مثل هذه البرامج سرا، والأمل الوحيد هو أن يعمل أهم العلماء في العالم يدا بيد لإيجاد حلول للتحكم في الذكاء الاصطناعي.
ربنا يستر!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية