التدخين مكروه.. أم حرام ؟
تعكف الشركات العالمية المنتجة للتبغ إلي رسم خطط جديدة في الدول العربية والاسلامية الآن بنشر فتاوي دينية في كتيبات أنيقة لمواجهة فتاوي تحريم التدخين التي انتشرت بشكل ملحوظ، في محاولة لتغيير قناعة العلماء المؤثرين بكراهة التدخين وليس بتحريمه كما افتي بذلك عدد كبير من زملائهم!
وللأسف الشديد فقد استشري وباء التدخين في الدول العربية والاسلامية، وتهدر عشرات المليارات من الدولارات سنويا في عادة سيئة مدمرة للصحة ومفسدة للبيئة، وانتشرت بشكل مخيف في كل الاوساط الاجتماعية والعلمية، بل المخجل أن تري أطباء كبار وعلماء بارزين لا تغادر السجائر اصابعهم ويمارسون تدخين الشيشة علي المقاهي بحجة أن التبغ اكتشف حديثا ولم يكن موجودا أصلا في صدر الاسلام!
وقد دحض الكثير من علماء الاسلام المستنيرين صحة هذا القول وكشفوا زيف هذا الافتراء، وعلي رأسهم فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الاسبق، عندما قال: لم يعد أحد من العلماء ورجال الفتوي يقول الآن التدخين مكروه، فالقول بالكراهية قبل أن يكتشف لنا العلم الحديث عن مخاطر التدخين واضراره الجسيمة..
المدخن ام صاحب الكاس
وبعد أن وقفنا علي اضرار التدخين وعرفنا أنه قاتل للانسان أصبح الحكم الشرعي واضحا وهو حرمة التدخين، فالاسلام حرم علي المسلم كل ما يضر بصحته ويعرضها للهلاك، والأية القرانية الكريمة تقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وفي اية اخري: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)..
ورغم أن العلم والدين اتفقا علي خطورة التدخين وأنه اقصر طريق إلي الموت، وبالتالي تحريمه، إلا أن نظرة المجتمع للشخص المدخن أكثر احتراما من الانسان السكير رغم خطورة المدخن عن صاحب الكاس، الاسلام حرم الخمر علي المسلم لما لها من تأثير ضار بعقله واعتبرها من الخبائث..
لكن العلم الحديث أثبت أن التدخين أشد ضررا من الخمور، ولا يقتصر ضرره علي من يتناوله فقط، بل يتعدي الضرر إلي الغير من المحيطين بالمدخن (وهم غير مدخنين) وهو ما يعرف بالتدخين السلبي!
وكثير من العائلات ترفض أي عريس يتقدم لخطبة ابنتهم إذا علموا أنه (يشرب)، ولم أسمع ابدا عن عائلة رفضت عريسا مدخنا، علما بأن سعر الخمرة أعلي بكثير من التبغ مما يدل علي ثراء الشارب عن المدخن، لكنه مرفوضا.. والمدخن مقبولا!
انها ليست دعوة لتناول الخمر فهو محرم بشكل صريح، رغم إباحة بعض العلماء لبعض انواعه التي لا تؤثر علي غياب العقل، كتناول البيرة مثلا استنادا علي تكوينها من الشعير وضألة نسبة الكحول.. والكلام ليس من عندي بل صادر عن بعض علماء كبار يحملون الدكتوراه في الفقه الاسلامي، ونعرفهم بالاسم بعد أن اصدروا فتاويهم هذه علي شاشات الفضائيات!
أنا لست طبيبا.. ولا رجل دين، لكني كباحث قرات أن هناك بعض الأمراض تتحسن حالتها بتناول بعض انواع الخمور من اجل توسيع الشرايين علي سبيل المثال لا الحصر، رغم أن هؤلاء المرضي شديدي التدين ولا يشربون الخمر أساسا، لكنهم انصاعوا لتعليمات الأطباء من أجل الشفاء.. لكنني لم أسمع ابدا عن العلاج بالتدخين.
فرغم اختلاف أطباء العالم علي تشخيص الأمراض ووسائل العلاج؛ إلا أنهم اتفقوا جميعا علي خطورة التدخين بكل انواعه، وأنه مدمرا لصحتهم ولاموالهم ؛ لكن ثقافة المجتمعات العربية في أمس الحاجة إلي التصحيح ووضع الأمور في نصابها الصحيح والحكم علي الناس باستنارة، وتغليب العقل علي الأهواء؛ فلا علينا الاخذ بظواهر التدين الشكلي، فالتدين الصحيح علاقة خاصة جدا بين الانسان وربه!