تجارة الألم
اتصلوا بي طالبين المساعدة في إسعاف ثلاثة شباب أصيبوا في حادث، سألتهم عن الوجهة التي يريدونها فقالوا أي مستشفى ترفق بحالنا ولا تغالي في قيمة الكشف والأشعة والجراحة والدواء، المتصلون ثلاثة آباء من بسطاء الريف، أصيب أبناؤهم في حادث، نقلوهم إلى إحدى المستشفيات الخاصة، لكنهم سرعان ما خرجوا منها بسبب المبلغ (البسيط ) المطلوب تحت الحساب، والذي لا طاقة لهم بنصفه..
سأل أحدهم: وماذا بعد هذا المبلغ؟ فقيل له.. للكشف سعر، وللأشعة سعر، وللدواء سعر، وللجراحة سعر، وللإقامة في المستشفى سعر، وبصوت يملؤه الحزن.. سأل آخر: يعني الموضوع كله يكلفنا كام؟ كان الرد حاسمًا.. أنصحكم تروحوا مستشفى حكومي، على الفور..
توجه أحدهم بإبنه المصاب بنزيف في المخ إلى مستشفى جامعة المنصورة، وكان مستشفى جامعة الزقازيق هو الوجهة التي إخترتها لشابين، أحدهما مصاب بنزيف في المخ، والثاني إنشطرت ساقه ليخرج المفصل من مكانه، ونزيف الشباب الثلاثة وبساطة حال آبائهم لم يشفع لهم عند المسئولين في المستشفى الخاص.
التبرع للمستشفيات الجامعية
ليلة قضيتها في التواصل مع من كانت وجهتهم مستشفى الزقازيق الجامعي، وبقدر حزني على ما آلت إليه الأوضاع في المستشفيات الخاصة.. بقدر سعادتي بتعامل مستشفى جامعة الزقازيق مع الحالتين، البداية كانت في الإستقبال الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ومن الإستقبال إلى الأشعة، ثم الإسعافات المطلوبة، ثم الجراحة، كل هذا كان بالمجان إلا قليلًا، نفس التعامل كان مع المصاب الثالث الذي توجه إلى مستشفى جامعة المنصورة.
نحن أمام نموذجين من المستشفيات.. خاصة تتاجر بالألم وتزرع اليأس في نفوس المرضى وأسرهم.. وحكومية.. تعرف رسالتها وتزرع الأمل في نفوس المرضى وأسرهم، فهل من تشريع يوقف شطحات أسعار المستشفيات الخاصة التي لا تعترف لا بالفقر ولا الإنسانية؟
ثم.. لماذا لا تتوجه التبرعات إلى مستشفيات الجامعات التي تستقبل ملايين المرضى الذين يفرون إليها هربًا من جشع المستشفيات الخاصة؟
وفقًا لوزير التعليم العالي الدكتور محمد أيمن عاشور.. وصل عدد المستشفيات الخاصة 120 مستشفى في العام الحالي، وكانت88 مستشفى في عام 2014، بزيادة قدرها 32 مستشفى بلغت تكلفتها 19,5 مليار جنيه، وقياسًا على ذلك.. هناك مستشفيات تجمع تبرعات منذ أكثر من عشر سنوات لمجرد زيادة عدد من الغرف، والتبرعات قد تتخطى المليارات، فلو توجهت نصف هذه التبرعات لمستشفيات الجامعات لتضاعف عددها وتحسنت أوضاع العاملين بها.
قوائم الإنتظار التي وجه رئيس الجمهورية بإنجازها في أسرع وقت.. أنجزت مستشفيات الجامعات أغلبها، وهنا يحضرني مركز الكبد في جامعة المنصورة الذي أنجز أغلب قائمة زراعة الكبد، وقد إحتفل العالم الكبير الدكتور محمد عبدالوهاب مع فريقه منذ أيام بزراعة ألف كبد، وهو رقم لم يصل إليه فريق آخر في الشرق الأوسط، وقد نجحت العمليات بنسبة تزيد عن التسعين في المائة.
مستشفيات الجامعات في محافظات مصر أصبحت وجهة البسطاء الفارين إليها من جحيم المستشفيات الخاصة، لذلك هي الأولى بالتبرعات، وهنا يبرز دور الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
besheerhassan7@gmail.com