سكة مقفولة ولكن؟!
لا شك أن السينما 'الفن السابع' من أمتع الفنون وأهمها وأرقاها، وهي التاريخ والذاكرة للفن بصفة عامة وللفنان في كافة فروعها بصفة خاصة، وكم من أدوار حيوية وحقيقية لعبتها السينما غير دورها الترفيهي وهو أقل أدوارها، في حياة الشعوب وعبر تاريخها الطويل الذي تجاوز الـ 125عاما، حيث يقاس تقدم الدول بتقدم وتطور السينما بها وهي انعكاس ومرآة لذلك..
وقد اضطلعت السينما المصرية بهذه الأدوار باقتدار في عصرها الذهبي الأنجح في حقبتي
الخمسينيات والستينيات وهو ما تؤكده قائمة أفضل مائة فيلمٍ في التاريخ والتي جاء فيها عدد كبير من الأفلام من هاتين الحقبتين، ولكن لأسباب عديدة ومتشعبة ذكرناها من قبل مرارًا وتكرارًا..
تراجعت السينما بشدة بشكل مستمر ومخيف حتى وصلت إلى أسوأ عصورها في السنوات العشرين الأخيرة من ناحيتي الكم والكيف، اللهم من بعض التجارب السينمائية المحترمة من وقت لآخر ولكن لا ترتقي معظمها إلى سينما الزمن الجميل..
ومن ثم صرنا نتوق دومًا إلى ظهور أي تجارب طموحة ومختلفة تحملها أجيال جديدة، تعطي ولو بارقة أمل في سينما جادة تحترم عقول الناس وتعيد لهم ثقتهم المفقودة في هذا الفن الرفيع، الذي اختطفته أيادي المقاولين وتجار الإسفاف ومحترفي المكسب السريع بأي وسيلة!
دعوة مفاجئة من صديق
من هذا المنطلق لم أتردد لحظة واحدة في قبول دعوة كريمة عن طريق مكالمة تليفونية مفاجئة من صديقي العزيز القديم عماد قاسم يدعوني فيها اليوم التالي، إلى حضور عرض فيلمه الروائي القصير الأول، كمشروع تخرجه من المدرسة العربية للسينما والتليفزيون بسينما الهناجر بدار الأوبرا..
ولمن لا يعرف عماد قاسم هو فنان التصوير الفوتوغرافي الأشهر والأنجح خلال ال20 سنة الأخيرة وصاحب أغلب أفيشات الأفلام والألبومات الغنائية للنجوم الكبار والذي فاجئني مؤخرًا باتجاهه إلى إخراج الكليبات لعدد من المطربين الشباب، ولكن المفاجأة الأكبر كانت ما دعاني إليه!
وأنا أشكره على هذه الدعوة التي أتاحت لي فرصة كنت انتظرها للتعرف على أفكار ومواهب أجيال جديدة من الشباب العاشق للسينما والذي يبشر بدرجة ما بسينما مختلفة لو أتيحت له الفرصة، فشاهدت جانبًا من أفلام مشروعات تخرج طلاب المدرسة العربية للسينما والتي سأتحدث عنها لاحقًا، منها فيلم بعنوان 'هنا أو هناك' مشاركة في السيناريو وإخراج جهاد علم الدين وهو تجربة حياتية تسجيلية جيدة، تم تصويرها بين مدينتي الإسكندرية والقاهرة عن اختيار المكان والبيئة الأنسب للعيش والعمل والنجاح والعمل..
ثم جاء الموعد مع فيلم صاحب الدعوة وهو فيلم روائي قصير عنوانه صادم للوهلة الأولى 'سكة مقفولة' بطولة وسيناريو وحوار شيماء عبيد وهاني قنديل وأحمد عبد الله، مدير تصوير محمد دسوقي، ميكساج كمبا، مونتاج وإعداد موسيقي وإنتاج وإخراج عماد قاسم، يتعرض الفيلم لفكرة الطمع في مكنون النفس البشرية، خاصةً عندما توضع أمام اختيارات مفاجئة، فيزاح الستار عن الوجه الآخر لهذه النفس الذي لا يبدو واضحًا للناس طوال الوقت!
وذلك من خلال فتاة ورجل تسوقهما الصدفة إلى شخص أصابته أزمة صحية مفاجئة أثناء محاولته استقلال سيارته، فيقرران الذهاب به إلى إحدى المستشفيات ولكنهما يعتقدان بوفاته ويحاولان البحث في سيارته عن شيءٍ يكشف شخصيته فيعثران على حقيبة كبيرة بها ثروة من الدولارات تدير الرؤوس، فتتغير حسابات كل منهما تمامًا؟
رغم الأجواء الشتوية والأماكن والشوارع التي تم التصوير الفيلم بها بالكامل وهو ما يزيد من صعوبته، إلا أن المخرج نجح ببراعة يحسد عليها خاصة وهذا أول عمل له في التعبير عن فكرته الأساسية وما تحتويه من صراعات داخل النفس البشرية وأخرى خارجية مع الآخرين، كما كان للإيقاع السريع للأحداث وهذا يعود للسيناريو والحوار المحكم دور فعال في ذلك، هذا إضافةً إلى حسن اختيار الممثلين أصحاب الخبرات..
شيماء عبيد في دور الفتاة ولها عدة تجارب تليفزيونية منها.. الحرير المخملي، كوفيد 25، ذهاب وعودة، من الجاني، وهاني قنديل في دور الرجل وهو شارك في مجموعة من المسلسلات أيضًا مثل.. اسود فاتح، لعنة كارما، أرض جو، لهفة، باختصار فيلم 'سكة مقفولة' يفتح الباب لسينما واعدة وحقيقية ومبشرة لجيل جديد من السينمائيين ويؤكد أن سكة السينما التي نتمنى عودتها ليست مغلقة أو مقفولة تمامًا بل هناك أمل دائمًا في عودتها من جديد.
تحية لهذه المدرسة
المدرسة العربية للسينما والتليفزيون هي أول مدرسة من نوعها في العالم العربي على الإنترنت معنية بتعليم كل فروع السينما من سيناريو وإخراج وتصوير ومونتاج وصوت وإنتاج وديكور لجميع الناطقين باللغة العربية في مختلف أنحاء العالم On Line مجانًا، وتمنح شهادات احترافية وعضوية نقابة المهن السينمائية..
صاحبة فكرتها ومؤسستها الدكتورة منى الصبان أستاذ المونتاج بالمعهد العالي للسينما عام 2001 وكانت تابعة وممولة منذ نشأتها من صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، قبل أن تؤول تبعيتها لأكاديمية الفنون، وتعد المدرسة فرصة ذهبية وبديل مثالي لكل عشاق السينما، في مختلف تخصصاتها ممن لم تساعدهم الظروف في الالتحاق بمعهد السينما، في أن يدرسوا ويتعلموا التخصص الذي يريدونه، فتحية واجبة للمدرسة وللقائمين عليها وعلى رأسهم المناضلة الكبيرة دكتورة منى الصبان.