أبو الزهراء يكافئ مادحيه (9)
عبد الرحمان الثعالبي مفسر وفقيه مالكي صوفي ومتكلم.. ولد بالجزائر، وهو أحد أعلام أهل السنة الأشاعرة المالكية في القرن التاسع الهجري.. وصار رمزا لمدينة الجزائر التي أضحت تعرف بمدينة سيدي عبد الرحمان، روى عن أحد معاصريه أنه قال:
أخبرني عليٌّ بنُ بشر ( وشهرته علي بن بشر الأصبهاني، راوي حديث، عاش في أصبهان)، أنه كان له جدٌّ لأم يُعرف بكولان، وكان هو من أهل الأدب والكتابة، وحُسن الشعر والخطابة، قالَ: حججتُ سنةً من السنين، وضاقَ معها خلقي، "أصابني اكتئاب"، ثم صلحتُ منها بعضَ الصلاح أى تحسنت، ففكرتُ في أني نظمتُ في أهل البيتِ تسعا وأربعين قصيدةً مدحا، فقلت: أكملها خمسين، ثم ابتدأتُ، فقلتُ: "يا بني أحمدِ، يا بني أحمدِ".
ثم أُرتجَ عليَّ فلم أقدرْ على زيادة، فعظُم ذلك عليّ، واجتهدتُ في أن أكمل البيتَ فلم أقدرْ، فحدث لي من الغم بهذه الحالة ما زاد على غمي يإضاقتي وعلتي، فنمتُ اهتماما (هما) بالحال، فرأيت النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فجئتُ إليه، فشكوتُ ما أنا فيه من الإضاقة، وما أجده من العلة، وأخرى من القلة..
فقال لي: تصدق يوسع الله عليك، وصم يصح جسمك، فقلت له: يا رسول الله؛ وأعظم مما شكوته إليك أني رجل شاعر محب لآل بيتك، وكنت قد قلتُ فيهم تسعا وأربعين قصيدة، فلما خلوت بنفسي في هذا الموضع حاولت أن أكملها خمسين فبدأتُ قصيدة قلتُ فيها مصراعا، وأُرتج عليّ إجازته "عجزت عن إكماله"، ونفر عني كل ما كنت أعرفه، فما أقدر على قول حرف..
قال: فقال لي قولا نحا فيه إلى أنه ليس هذا إليّ؛ لقوله تعالى: "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ". ثم قال لي: اذهب إلى صاحبك، وأومأ بيده الشريفة إلى ناحية من نواحي المسجد، وأمر رسولا أن يمضي بي إلى حيث أومأ..
فمضى بي الرسول إلى ناس معهم علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال له الرسول "الموفد": أخوك وجَّه إليك بهذا الرجل فاسمع منه ما يقول. قال: فسلمتُ عليه، وقصصتُ عليه قصتي كما قصصتُ على النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: فما المصراع "مفتتح البيت"؟ فقلت: "بني أحمدِ يا بني أحمدِ"، فقال للوقت "على الفور"، قل: "بكت لكمو عمد المسجدِ".
واستطرد:
بيثرب واهنز قبر النبي أبي القاسم السيد الأصيدِ
وأظلمت الأفق أفق البلاد وذُرَّ على الأرض كالإثمدِ
ومكة مادت ببطحائها لإعظام فعل بني الأعبُدِ
ومال الحطيم بأركانِهِ وما بالبنية من جلمـــــدِ
وكان وليكم خاذلا ولو شاء كان طويل اليدِ
قال: ورددها عليّ ثلاث مرات، فانتبهتُ وقد حفظتُها.