أبو الزهراء يكافئ مادحيه (8)
حديثنا اليوم عن الإمام الشافعي كشاعر مادح للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وآل بيته.. هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150-204هـ / 767-820م)، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه..
وهو أيضًا إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضيًا فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحًا شاعرًا، وراميًا ماهرًا، ورحّالًا مسافرًا. أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد: "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس".
يكاد الشافعي أن يكون أمة وحده.. فالإمام محمد بن إدريس الشافعي من أعظم علماء الأمة المحمدية، وهو أحد الأئمة الأربعة الذين تشكّلت من اجتهاداتهم مذاهب أهل السنة.. ولكن الحسد، كما هى العادة، لم يترك هذا الإمام وشأنه؛ فأخذ المغرضون يُشيعون الاتهامات ويحاولون إلصاقها به، لا سيما مخالفيه الذين أعيتهم قوة حُجَجِه ورسوخ براهينه، ولكنه لم يبالِ بذلك.
فضل أبى بكر وعلىّ رضى الله عنهما
فأخذوا يكيدون له مرة بعد الأخرى، فتارة يوغرون عليه صدر هارون الرشيد بأنه ذهب إلى اليمن ليؤسس دولة يستقل بها عن حكم العباسيين؛ فيأمر بحمل الإمام الشافعى من اليمن إلى بغداد مكبّلًا بالأصفاد، ثم يعيده إلى مكة معززًا مكرمًا بعد أن يكتشف كذب الوشاية ويعجب بعلم الإمام وعقله ودينه.
وتارة أخرى يُشَنّعون عليه بأنه رافضى لأنه كان مُتيّمًا بحب آل البيت رضي الله عنهم، فأنشد فى حبهم وتولّيهم أبياتًا قال فيها:
يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حُبُّكمُ.. فرضٌ مِن اللهِ فى القرآنِ أنزلَهُ
يَكفيكمُ مِن عظيمِ الفخرِ أنّكمُ.. مَنْ لم يُصلِّ عليكمْ لا صلاةَ لَهُ
فلما أكثروا الشائعات وإطلاق تهمة الرفض على الإمام نظم أبياتًا قال فيها:
قالوا تَرَفّضْتَ قلتُ: كلا ما الرفضُ دينى ولا اِعتقادي
لكن توليتُ غير شكٍ خيرَ إمامٍ وخيرَ هادي
إن كان حُبُّ الوليِّ رفضًا فإنَّ رفضى إلى العبادِ
ومع ذلك استمرت الشائعات، فقال شعرًا:
إذا فى مجلسٍ نذكر عليًّا وسبطيه وفاطمةَ الزكيَّة
يُقال تجاوزوا يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضية
برئتُ إلى المهيمنِ من أُناسٍ يرون الرفضَ حُبَّ الفاطمية
وطلب أن يُهتَف على مسامع الحُجاج بإعلان إصراره وثباته على حب آل البيت:
يا راكبًا قِفْ بالمُحَصَّبِ مِن منى واهتِفْ بَقاعدِ خَيفِها والناهضِ
سَحَرًا إذا فاضَ الحجيجُ إلى منى فيضًا كَمُلتَطِمِ الفُراتِ الفائضِ
إنْ كانَ رَفضًا حُبُّ آلِ مُحمدٍ فَلْيشْهَدِ الثَقَلانِ أنّى رافضى
والرافضى هو: من حمله بُغضُ الشيخين الجليلين سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر رضى الله عنهما، على سبِّهما والتطاول عليهما والعياذ بالله من ذلك.. والناصبى هو: من حمله بغض آل البيت عليهم السلام على التطاول عليهم ومناصبتهم العداء.
فما كان من الإمام الشافعى إلا أن أظهر سخف التطرّف والمتطرفين، معلنًا ثباته على الإقرار بفضل أبى بكر وعلىّ رضى الله عنهما فقال:
إذا نحنُ فَضَّلنا عليًّا فإننا روافضُ بالتفضيلِ عندَ ذوى الجهلِ
وفضلُ أبى بكرٍ إذا ما ذكرتُهُ رُميتُ بِنَصبٍ عندَ ذِكْريَ للفضلِ
فلا زلتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما بحُبيهما حتى أُوَسّدَ فى الرملِ
وقال أيضا:
آلُ النّبيِّ ذَريعتى وَهُمُو إليه وسيلتي أرجو بهم أُعطى غدًا بيدى اليمين صحيفتى