السيد البدوي المفترى عليه
من رحاب سيدي أبا الفتيان فحل الرجال ومربي الرجال المكنى بالسطوحي وبالبدوي وبأبي فراج والملثم، وباب الرسول القطب الرباني والعبد الصمداني سيدي أحمد البدوي سليل آل بيت النبوة الأطهار على جدهم وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام، المفترى عليه من أهل الجهل والعمى والمغرضين وأصحاب القلوب الغلف.
من رحابه الطاهرة وبمناسبة الاحتفال بالمولد الرجبي لحضرته. أكتب هذا المقال نبذة عن سيرته العطرة.. مولده ونشأته وبعض من سياحاته ومنهجه في تربية المريدين والطلاب وحاله مع ربه تعالى وبعض من كراماته.. سيدى أحمد البدوي هو أحمد بن علي بن يحيى. يصل نسبه الشريف من جهة الأب إلى الإمام الحسين بن الإمام علي ابن أبي طالب عليهما السلام.
ولد رضي الله عنه بمدينة فاس بالمغرب سنة 596 هجري / 1199 ميلادي. وتوفي بمدينة طنطا بمصر سنة 675 هجري / 1276 ميلادي وله مرقد وضريح ظاهر يتوافد لزيارته العلماء والأولياء والمحبون من أنحاء المعمورة. نشأ سيدي أحمد البدوي على عبادة الله تعالى وطاعته وذكره كشأن أهل بيت النبوة الأطهار. حفظ كتاب الله تعالى وهو ابن السابعة من عمره وتفقه في علوم الدين على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه.
أحب الخلوة منذ الصغر فلزمها سنوات عديدة فكان يعتكف في جبل أبي قيس قرب مكة المكرمة. كان كثير الصيام والقيام حتى أنه كان يطوى أربعين يوما صائما وكان كثير الصمت والنظر في آيات الله تعالى والتفكر والتدبر في بديع صنع الله تعالى. وكان الغالب على حاله الذكر.
العطاء الكسبي والعطاء الوهبي
وعلى أثر ذكره وتفكره ارتقى في مقامات الشهود الثلاثة وهي أولا شهود تجليات الحق عز وجل في مظاهر عوالم الخلق. ومن يقام في هذا المقام يشاهد عظمة طلاقة القدرة الإلهية وعظيم الإبداع الإلهي فيما خلق وفيما أوجد ويرى اتساق الكون واتزانه وإتقانه وإحكامه.
ثانيا شهود تجليات الحق عز وجل في الأفعال والتحقق أنه سبحانه وتعالى هو الفعال في الكون فلا حركة ولا سكنة ولا حياة ولا موت إلا به عز وجل وأن له تعالى الخلق والأمر. يقول تعالى: "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ". ويقول سبحانه "لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ". وإنه الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه تعالى إلا ما أراد ومما يشير إلى ذلك قوله تعالى: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ".
هذا عن مقام شهود تجليات الله عز وجل في الأفعال. ومن يقام في هذا المقام يخرج من المنازعة ويسلم لله تعالى في نفسه وفي الخلق وينطق لسان قلبه بقوله " أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"..
ثالثا، شهود تجليات الله تعالى في الأحوال ويؤكد ذلك قوله عز وجل " وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ " فالصبر حال ليس بفعل وهو بالله تعالى. هذا والعاء الإلهي منه ما كان اكتسابا يحصل بمجاهدة النفس وبذل المجهود في العبادات والذكر وأعمال الطاعات. ومنه ما كان هبة ومنحة من الله تعالى.
وقد حظى سيدي أحمد البدوي بالعطائين "العطاء الكسبي والعطاء الوهبي" وهما المشار إليهما في قول الله تعالى "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".
العطاء الإلهي
هذا وقد كان لسيدى أحمد البدوي نظرة خاصة في هذه المسألة فأنه كان يرى أن العطاء الإلهي والولاية لا يحصل ببذل المجهود بل من عين الكرم والجود الإلهي وكان يرى أن كلا العطائين من محض فضل الله تعالى فإن كان العطاء كسبي أي يأتي بالمجاهدات في اعمال العبادات والطاعات كان يرى أن الأصل فيه توفيق الله وفضله. وإن كان العطاء وهبي. كان يرى فضل الله ومنته.
وفي حكاية بينه رضي الله عنه وبين والده تأكيد لذلك، حيث دخل عليه اباه يوما وقال له: يا أحمد آما آن الآوان أن تتزوج وتصل نسبك. فرد البدوي قائلا: رحمك الله يا أبتاه إني أرى اني لم أخلق لهذا. فقال اباه له: يا أحمد: ماذا ترى؟ قال: أرى أني خلقت لعبادة الله وتربية رجال يحملون راية الدعوة إليه. قال: يا أحمد أتريد أن تكون قطب الوقت؟
قال: وما قطب الوقت؟. قال: الرجل الذي هو موضع نظر الله تعالى من بين خلقه في زمنه. هكذا يقول الصوفية. قال: رحمك الله يا أبتاه لما قلت هذا؟. قال: يا بني لما أراه عليك من حال مخالفتك لأقرانك في حالك. وعزوفك عن الدنيا وحبك للعزلة والخلوة. وكثرة صيامك وقيامك، كلما دعوناك إلى طعام وجدناك صائما. وإذا تحسسناك بالليل وجدناك لله قائما. قال: رحمك الله يا أبتاه هل تظن أن مقامات القلوب تأتي على أثر بذل المجهود؟
قال: نعم يا بني لقوله تعالى "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا". قال: صدقت يا أبتاه ولكني أرى أن منازل القلوب تأتي من عين الكرم والجود الإلهي لقوله سبحانه قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ "..
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى..