رئيس التحرير
عصام كامل

السودان.. السيناريو الأخطر!

لم نعد ننعم حتى بالفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق منذ 18 عاما بعد أن أصبحت  الفوضى مدمرة، وهى حقيقة ما قصدته رايس وتنفذه واشنطن بدقة منذ غزو العراق وتدميره لتحقيق الهدف الأكبر الذى نعقت به كالغربان بالشرق الأوسط الجديد، بعد تدمير دوله الحالية طبعا.

 
والفوضى الخلاقة في معناها السياسي هى تكوين حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث يقوم بها أشخاص معينين بدون الكشف عن هويتهم بهدف تعديل الأمور لصالحهم.. يعنى نظرية تعمل على وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى من خلال العنف والرعب والدم، لخلق واقع مختلف وهوية جديدة -طبعا على المقاس الأمريكي- وهذا ما تم ويتم تطبيقه بدقة في أنحاء العالم العربي.



وعلى الرغم من وجود هذا المصطلح في أدبيات الماسونية القديمة وورد ذكره في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي دان براون إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته واشنطن في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وروجت له كوندوليزا رايس في حديث أدلت به إلى صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في إبريل 2005، بعد إنتشار بعض فرق الموت مثل شركة بلاك ووتر الأمنية.. 

 

وهو السيناريو الأمريكى كما قالت رايس: الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط في سبيل إشاعة الديمقراطية.

ومنذ 1990 بدأ مسلسل نشر الفوضى في المنطقة ولم ننعم أو نرى بصيصا من أمل الديمقراطية التى بشرت به واشنطن أو الأوطان السعيدة بعد أن تحولت البلدان إلى أنقاض، والشعوب إلى لاجئين أو ضحايا أو قتلى.

وما يحدث في السودان الآن هو إستمرار لهذا المسلسل الذى إنتشرت حلقاته في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال ولم نتعلم كعرب الدرس حتى الآن. لكن الكارثة أن قنبلة السودان إذا انفجرت ستنال الجميع وأولهم  من يدعم التشظى والتشرزم، وبشكل أكثر عنفا لماذا؟

سيناريو الفوضي

هنا 50 مليون مواطن وليس بضعة ملايين سيتحولون إلى لاجئين أو قنابل متحركة، هنا بلد لو تحولت إلى أفغانستان ستكون مصادر لانهائية  لزعزعة الاستقرار في أفريقيا والعالم العربى وأوروبا.

هنا ستكون أرض الميعاد لكل الجماعات الإرهابية والمسلحة والميلشيات من كل جانب، هنا سيتحول البحر الأحمر إلى بحر غير آمن للملاحة الدولية والذى يمر به نسبة كبيرة من تجارة العالم في الشرق والغرب، هنا لن يكون الذهب ومناجمه واليورانيوم وباقى المعادن المستخدمة في أسلحة الدمار الشامل أو التنمية بمأمن، بل ستتحول إلى ثروة في يد جماعات التطرف والإرهاب، يعنى لن يحتاجوا إلى دعم خارجى لتدمير الحياة في العالم.

هنا ستكون تجارة وصفقات الموت رائجة.. من هنا سيتم زعزعة العروش وتدمير الجيوش النظامية في حروب العصابات، يدرك حجم الكارثة من يرى ملايين السودانيين الآن وهم يبحثون عن ماء ليظلوا على قيد الحياة في الوقت الذى يجرى من بينهم النيل والأنهار وتنهمر عليهم الأمطار.

يدرك حجم الكارثة من يرى ملايين السودانيين وهم يبحثون عن رغيف خبر وعندهم ملايين الأفدنة التى لا تريد سوى نثر بذور القمح والشعير فقط والباقى على السماء، يدرك حجم الكارثة من يعرف الخريطة السكانية بأعراقها وعشائرها،  ومصادر الثروة المتعددة وأبعاد المخطط الكارثى في تقسيم السودان إلى أكثر من دويلة في الغرب والشرق  بعد أن تم فصل جنوبه.

يدرك حجم الكارثة ويدرك المخطط من يشاهد استقدام الميلشيات من هنا وهناك لقتل  السودانيين ونشر الرعب وعمليات النهب في كل مكان، يدرك حجم الكارثة ويدرك المخطط  كل من يسأل ببراءة: من وراء تزويد قوات الدعم السريع بأكثر من ألف سيارة دفع رباعى ومزودة بمدافع ورشاشات قد لا تتوفر للجيش الوطنى مثلها.

يدرك حجم الكارثة ويدرك المخطط من يشاهد أو يسمع أو يقرأ ما يدور في الكواليس لسكب البنزين على النار، وينفذه ويدعمه ويموله للأسف اعدائنا واصدقائنا في مشهد نادر الحدوث في الزمان والمكان. 


يدرك حجم الكارثة ويدرك المخطط  من يرى احزمة النار والفخاخ المنصوبة على حدود مصر من الغرب ومن الشرق والان من الجنوب.. مخطط لا يريد لمصر استقرارا، أيها العرب.. في فمى ماء كثير!


أيها العرب افيقوا قبل فوات الأوان.. اطفئوا النار في السودان الآن قبل الغد ولو من باب المصلحة البحتة التى تجيدون التحدث بها الآن بعيدا عن نخوة العروبة والانسانية وقبل أن تمتد إلى بيوتكم. 
أيها العرب ذهب السودان وكنوزه وموانئ بحره الأحمر ستذهب للأعداء وليست لكم كما تظنون. 

 


أيها العرب سيكون الخراب لكم جميعا بعد أن يشرد أهل السودان وتتحول أرضه إلى أفغانستان جديدة تصدر الخراب والأرهاب والتطرف للجميع، أيها العرب أنقذوا أنفسكم قبل أن تنقذوا 50 مليون سودانى.. دماء هؤلاء في رقابكم  جميعا!


yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية