رئيس التحرير
عصام كامل

هى مصر رايحة على فين؟!

إذا كان خلو الرجل بالمرأة يستوجب وجود الشيطان ثالثًا لهما، فإنه ما خلا ثلاثة من المصريين إلا وكان هناك سؤال ثابت ومعروف ومتداول هو رابعهم: إلى أين تتجه مصر؟ أو بالعامية: «هى البلد رايحة فين؟».. بالطبع سينبرى واحد ممن تلقوا السؤال ليقول لك الدر الكامن فى بحر الزمان.


أحدهم سيقول مصر راحت والعياذ بالله، ومصر الآن لم نرها فى التاريخ، ومصر التى نعيش فيها دولة من القلق والخوف والرعب على الغد.. هي فى عرف هذا الذى يجيب راحت بالفعل، رغم أنه يعيش فيها آمنا ليس كمثل غيره فى المناطق المحيطة.


وسيقول آخر: مصر ستعبر الطريق الصعب، وإن ما نحياه ليس إلا نتاجًا لظروف دولية لا قِبَل لنا بها، وأن من يرسمون خارطة العالم يعرفون جيدا أن مصر لا يجب أن «تروح»، ولابد وأن تبقى لتقوم بدورها فى القادم، وستكون جزءا من خارطة العالم الجديد، ولكنها ستمر عبر ذلك بمحيط هادر من القلق، ولكن النهاية لا بد من استقرارها.


لا المتشائم لديه معلومات كافية فى ظل غياب كامل للمعلومات وللقرارات ولمركز اتخاذ القرار وصناعته، ولا المتفائل لديه من المعلومات ما يجعله صاحب رؤية حقيقية قادرة على البقاء كتحليل سياسى أو اقتصادى أو حتى موقف تاريخى مشابه يبتنى عليه رؤيته.

مصر إلى أين؟


القاسم المشترك بين المتشائم والمتفائل هو خيط عريض من الضبابية المزعجة التى تجعل وجهتَى النظر لا تعتمدان على أسلوب علمى للتحليل الدقيق الذى يمكن الأخذ به وتفسير أحداث القادم من الأيام، سواء كان ظلاميا أو نورا ساطعا يلقى بضوئه على خارطة مصر.


الناس فى معظمها قلقة على اليوم قبل الغد، خصوصا أن هناك حالة غياب كامل لقادة رأى لديهم من المعلومات ما يجعلهم قادرين على الإجابة على السؤال الصعب: «مصر إلى أين؟»، وربما كانت الأسباب البادية والواضحة للعيان أن لدينا حكومات متعاقبة ليست إلا عددا من «السكرتارية».


ووصف الحكومات المتعاقبة بـ«السكرتارية» ليس تشويها أو إساءة لأحد، وإنما تعبير عن حالة الضعف والوهن التى تبدو عليها شخصية الوزير، والتى تلقى بظلالها على الصورة الذهنية للحكومة ككيان يتابعه العامة والخاصة فيما تتخذه من قرارات لمواجهة أزمة حقيقية تمر بها البلاد.


ويبدو أن ماكينة السياسة تعطلت منذ سنوات، فغاب عنا الوزير السياسى القادر على مخاطبة الجماهير وإقناعها بما تقدمه الحكومة من خدمات أو تتخذه من قرارات مع كل أزمة تطرح نفسها على سطح الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى مصر منذ سنوات.


ويبدو أن وصف الحكومة بالتكنوقراط لن يكون وصفا دقيقا، لأن ما نراه من نماذج على رأس الوزارات لا يمكن أبدا اعتبارهم خبراء، وإلا فلماذا تكون نتائج قرارات الحكومة ككل وككيان واحد غير منطقية فيما نعانيه من أزمات متلاحقة تهدد الاستقرار ولا تقدم نموذجًا تنمويًّا حقيقيًّا يشعر به المواطن البسيط؟!

حرية تداول المعلومات


ما يطلبه أي مواطن من أي حكومة فى أي مكان فى العالم هو أن تؤمِّن له احتياجاته وتحميه من تقلبات لا يمكنه مواجهتها وحيدًا، فهل ما تفعله الحكومات المتتابعة يؤدى هذا الغرض ويشعر به المواطن فى مسكنه وفى غذائه وفى مستقبله القريب؟


النتيجة الطبيعية أنك تواجه هذا السؤال فى كل مكان تذهب إليه، ونفس السؤال يبدو أنه وحيد على طاولة المصريين ولا يوجد سؤال غيره، ربما لأنه يعبِّر عن كل الاستفهامات التى يمكن طرحها منفردة، فالسؤال كبير وبحاجة إلى تحليل عميق ومقنع ومنطقى.


وبالطبع لا يمكن أن تبنى أو أبنى إجابة دون أن تتوفر كافة المعلومات التى تدلل بها على رؤيتك أو تحليلك، فالأرقام متناقضة وغير موحدة، وليست هناك جهة واحدة يمكنك الاعتماد على أرقامها فيما يخص الحالة الاقتصادية على سبيل المثال لا الحصر.


وأمام السؤال الغامض الذى لا أعرف إجابته شخصيا يبدو واضحا أن الناس فى حاجة ملحَّة لمن يتحدث معهم ويصارحهم بحقيقة ما نحياه وما نعيشه الآن وتصورات المستقبل؛ مستقبل البلد الذى يعيشون فيه وناضل أجدادهم من أجل تحريره والدفاع عنه فى أحلك الظروف.


مصر بعد الخامس من يونيو 1967 ، وبعد أقسى هزيمة عرفها المصرى الحديث، استفاقت على كابوس مرعب، ومع ذلك قرر الشعب عدم قبول الهزيمة، وتحمل فى سبيل قراره سنوات قاسية، وهو يعيد بناء جيشه بالدم ومن اللحم الحى، وتحمل فى سبيل ذلك ما لا يمكن تصوره.. لماذا؟


أيقن عبد الناصر أن سنوات ثورته الماضية خلت من الشفافية تماما، فقرر عقد اجتماعات مجلس الوزراء برئاسته، وطلب من الجميع أن يصارح نفسه وغيره، وأن يتحدث بكل حرية.. أدرك ناصر أن غياب الحرية كان سببا رئيسا فى الوصول إلى ما وصل إليه الثوار.


سمح بحرية داخل اجتماعات مجلس الوزراء، واستمع إلى ما لم يستمع إليه من قبل، وقال كلاما مهما وحادا وقاسيا ساعتها كان أشده عبارته الشهيرة: «إن هذا الشعب من حقه أن يضربنا بالأحذية»، ولم يدفن رأسه فى الرمال، وقرر إعادة بناء القوات المسلحة استعدادا لمعركة فاصلة.

 


بعد أيام كانت حرب الاستنزاف التى كبدت العدو خسائر فادحة، وبعيدًا عن دور عبد الناصر فى الهزيمة من عدمه فإن ما وصل إليه يقينًا أن غياب الحرية كان سببًا أصيلًا فيما جرى من هزيمة تعدى صداها حدود الوطن إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

الجريدة الرسمية