من رسائل الإمام الطيب
توثيق الطلاق.. لحماية المطلقات والأبناء والمجتمع
صدقوني لو عرف الناس دينهم بوسطيته واعتداله لتفادينا مشكلات كثيرة ومنازعات هائلة تمتلئ بها المحاكم نتيجة جهل بالحقوق والواجبات، وضعف إيمان وخصوصًا في العلاقات الزوجية التي يفشل كثير منها، وينتهي بالطلاق أبغض الحلال إلى الله وما ينتجه من آثار كارثية يتشرد بسببه الأولاد وتضيع حقوق النساء.
من رسائل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف في برنامجه التليفزيوني ضرورة توثيق الطلاق فور وقوعه حفاظًا على حقوق المطلقة وأبنائها، مؤكدًا أن هيئة كبار العلماء طالبت بسن تشريعات تضمن سرعة هذا التوثيق.. لكنها لا تخالف الجمهور بوقوع الطلاق الشفهي المستوفي للشروط.
أهمية توثيق الطلاق
الإشهادِ على الطلاق أو توثيقِ الطَّلاق من القضايا التي نالت مؤخرًا اهتمامًا كبيرًا يجعلها في حاجة لمزيد من البيان والتحديد؛ فقد أوضح الإمام الطيب خُلاصَة ما في ورد في الآيتين الأولى والثانية من سورة الطلاق من أحكامٍ تشريعيَّةٍ بأن الطَّلاق لأوَّل العِدَّة في الآية الأولى، ثم الرجعة والإشهاد عليها في الآية الثانية؛ وهذا الإشهاد كما ذهب جمهرةَ علماء التفسير، وأئمَّة مذاهب أهل السُّنَّة قاطبةً على سبيل الاستحباب والندب، وليس على سبيل الوجوب واللزوم، وأنَّ مَن يُطلِّق زوجته بدون إشهاد لا إثم عليه، وطلاقه واقع، إذ استكمل شروط الوقوع.
شيخ الأزهر أكد أن الرأي الذي اعتمده علماء أهل السُّنَّة هو عدمُ اعتبار الإشهاد في وقوع الطَّلاق.. ثم وصل الأمر إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف التي ناقشت الموضوع مناقشة تفصيليَّة على مدى ستة أشهر، ثم أصدرت بيانها بوقوع الطلاق الشَّفهي المستوفي أركانَه وشروطَه دون اشتراط إشهاد أو توثيق، مؤكدة أنه يجب على المطلِّق في كل الأحوال والظروف أن يسارع إلى توثيق طلاقه فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وحقوق أبنائها..
ما ينبغي التركيز عليه في مسألة الطلاق هو ضرورة تحذير المسلمين من الاستهانة بأمرِ الطَّلاق، والتَّسَرُّع في هدم الأُسْرَة، وتشريد الأطفال والأولاد، وتعريضهم للضَّياع والأمراض الجَسَديَّة والنَّفْسِيَّة والخُلُقيَّة، وأنه إذا استُنفِدت كلُّ وسائل الإصلاح، وتحتَّم الفِراق، وقرَّر الزوجان الطَّلاق؛ فعلى الزوج أنْ يلتزم -بعد طلاقه- بالتَّوثيق أمام المأذون دُون تَراخٍ؛ حِفظًا للحقوق، ومَنعًا لظُلْم المطلَّقة.
ما طالبت به هيئة كِبار العُلماء من ضروة سَنِّ قانون يُلزم الزوج بتوثيق الطلاق خطوة مهمة ينبغي البناء عليها لضمان حقوق المطلقات والأبناء وكبح جماع الاندفاع من بعض الأزواج لإيقاع الطلاق دون تأنٍ ولا استلهام لروح الشرع الذي جعل الطلاق أبغض الحلال في أضيق الحدود عند استحالة العشرة مطلقًا.
شيخ الأزهر قال بوضوح: نحن نرى أننا إذا أردنا أن نُناقشَ أمر توثيق الطلاق، ونصل فيه إلى رأي جديد شرعًا؛ فإنَّه لا مفرَّ لنا من عقدِ مؤتمرٍ عالميٍّ جامع، يضمُّ علماء متخصصين ممثلين لدول العالم الإسلامي، يجتمعون فيه ويناقِشون وينتهون إلى رأيٍ يصبح هو الرأي المعتمد بالإجماع أو الأغلبية. إذْ من المعلوم أن ما ثبت بالإجماع لا يتغيَّر إلَّا بإجماعٍ مُماثل.. باب الاجتهاد بضوابطه وأصوله مفتوح لتحقيق مصالح المجتمع والحفاظ على علاقات الزوجية لاستقرار الأسر وبناء جيل سوي قادر على النهوض بالبلاد.