رئيس التحرير
عصام كامل

ولكم في المرض دروس وعبر

ساعات قليلة ونستقبل عيد الفطر المبارك.. وتتجدد به فرحة الصائمين بفطرهم، والأطفال بألعابهم ولهوهم.. وتتجدد الدعوات بأن يحفظ الله أمتنا مما يحاك لها.. العيد لا تكتمل فرحته إلا بإدخال السرور لقلوب الناس؛ بزيارة مريض أو جبر خاطر فقير. 

المرض يحرم الإنسان من أهم نعمة وهي الصحة.. فمن المستحب أن يتشارك الناس متاعب هذه المحنة، ليخففوا أثقالها عمن ابتلى به؛ فزيارة المريض تمنحه ما يحتاجه من دعم نفسي يحفز جهازه المناعي لاجتياز شراسة المرض، وهو ما يفسر لنا لماذا حث النبي عليها حتى جعلها سُنَّة يثاب فاعلها، بل واجبة في حق بعض الأفراد دون بعض. 

ومن واقع تجربتي مع المرض رأيت مشاركة انطباعاتي وقناعاتي عنه مع من حولي؛ من باب التذكير بنعم الله وفضله؛ إذ تفضل علىَّ ومنحني شفاء اعترف الأطباء بأنهم لا يملكون تقديمه لأي مريض رغم ما وصل إليه الطب من تقدم؛ فغاية ما يفعلونه مع المرضى هو تحسين حالتهم الصحية.. لكن يظل الشفاء نعمة من  الله وحده.. "وإذا مَرِضْتُ فهو يَشْفِيْنِ".

محنة ومنحة 

تجربة المرض لا تفارق ذاكرتي؛ لكنى أرفض ما يفعله البعض على صفحات التواصل الاجتماعي من بث صورهم وهم على أسرَّة المرض.. ولست أدري ماذا أرادوا بذلك اللهم إلا جلب الشفقة واستعطاف قلوب البشر؟! أما أن تروي رحلتك مع المرض حتى منَّ الله عليك بالشفاء فذلك من باب "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ" لشكر المنعم وليستخلص البشر منه دروسًا وعبرًا ينبغي ألا تفوتهم؛ ليعرف كل منهم أنه فيض من نعم الله لا تحصى.


المرض يبدو في ظاهره محنة، وأرى باطنه منحة عظيمة لمن يرضى؛ فمن رحم المرض والألم ولد أدبٌ رفيعٌ لأدباء وشعراء عظام، كما فعل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، في روايته "الأيام" بسرد معاناة عاش تفاصيلها منذ أصيب بالعمى في طفولته وكيف تحدى الإعاقة بإرادة حديدية، جعلته يخترق كل الأسوار، ويواجه الصعوبات بعزم شديد حتى تبوأ مكانة رفيعة في حياتنا الثقافية والأدبية.. 

ولولا التيفود ما  تحول محمود تيمور من دراسة الزراعة إلى التعمق في الفكر والأدب حتى صار من أقطابهما، بمؤلفات نفيسة حتى نال إنتاجه القصصى جائزة مجمع اللغة العربية ( 1947)، وجائزة الدولة للآداب (1950)، وجائزة الدولة التقديرية فى الأدب (1963) وغيرها.


ومن منا ينسى عطاء المفكر الدكتور مصطفى محمود الذي كان مرضه نقطة تحول مهمة في حياته؛ إذ نجح ببراعة في مد الجسور بين العلم والإيمان، ليثري المكتبةِ العربية بروائع الفكر والفلسفة والاجتماع والأدب والعلم.


لقد عشت تجربة مرض خرجت منها بفضل الله أحسن مما دخلت فيها؛ حتى كأني ولدت من جديد بروح جديدة ورؤية أعمق فهمًا للذات وللبشر والأشياء من حولك.. أدركت أن الدنيا مهما يكن بريقها ومتاعها وغوايتها فهي مؤقتة لا ندرى متى نغادرها ولا كيف نتركها وأن الآخرة آتية لا ريب؛ وهي الحياة الدائمة " وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت:64).

ابحث عن السعادة الحقيقية في داخلك؛ في ذاتك وإيمانك وصبرك ورضاك، في سرور تدخله على فقير أو يتيم أو مسكين، في شعور بالأمن تدخله في قلب خائف.. فليس بعد العافية نعمة إلا الأمن.. وكل ما في الدنيا من نعيم لا يساوى شيئًا أمام لحظة ألم في مرض أو فاجعة.. فاحذر تقلب الأيام ودورانها.. فقد جعلها الله دولًا بين الناس.. وتأمل قول الشاعر:
إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب
فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب.

الجريدة الرسمية