كأنك يا أبوزيد ما حكيت
كتب أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي: "أقولها ولا أخشى في الله لومة لائم، أقولها ولو أغضبت كلماتي كل العالم"، فانتبهت كل حواسي، لتلقي ما سيعلنه هذا البطل المغوار، الذي أيقنت أنه قرر خوض غمار الحرب وحده، والتضحية بنفسه من أجل تبليغ رسالة سامية، وآمنت أن أحدًا في هذا العالم لن يقوى على منعه من إعلاء كلمة الحق، ورفع الظلم، فأيقظ بهذه الجملة الافتتاحية همتي، واستنفر الدماء في عروقي، وجعلني على أهبة الاستعداد لمساندته، والوقوف في صفه، ونصرة قضيته العادلة، فاستطرد قائلًا: "مسلسل النجم الفلاني هو الأكثر نجاحًا وجماهيرية، شاء من شاء، وأبى من أبى، وأنا معجب به، ولو كره المثقفون"!
كالعادة يستهل حملة المباخر وصلات المجاملة والنفاق، بافتتاحية عنترية من نوعية مهما كلفني الأمر، ومهما كانت الصعوبات، ثم يعلنون انضمامهم لصفوف جماهير السوشيال ميديا العريضة، وتبرأهم من جماعة المثقفين، الذين لا حول لهم ولا قوة، من الذين يرون أن بعض الأعمال الفنية، التى تحظى بحفاوة جماهيرية، مثلها مثل المخدرات، ضرها أكبر من نفعها، وأن ضررها يعود على من يتعاطها، وأنها تدمر المجتمع، وتهدم منظومة القيم والأخلاق، ولا تهدف إلا إلى إثراء صناعها، الذين يجيدون تلميع مواهبهم المحدودة، بعمل صداقات، وتمويل إعلانات، واستخدام مطبلاتية وزمارين.
المثقفون لا يشككون في النجاح الجماهيري الكبير الذي تحققه بعض المسلسلات الرمضانية رغم تواضع مستواها الفني، بفضل استخدام كل أساليب الدعاية للترويج لها، كما أنهم لا يشككون في جماهيرية أغاني المهرجات، وفيديوهات التيك توك، التي تحظى بملايين المشاهدات، وتدر علي أصحابها ملايين الدولارات.
المثقفون يعترفون بنجاح هذه الأعمال جماهيريًا، ولكنهم لا يعتبرون هذا النجاح معيارًا لجودة هذه الأعمال، ويرفضون الإشادة بصانعيها من أشباه الموهوبين، ووصفهم بأنهم الأفضل والأروع والأعظم، لأن مهمة الناقد هي الارتقاء بمستويات التلقي عند المشاهدين، ورفع مستوى الوعي، بالحفاظ على قواعد النقد والتذوق الفني، حتى لا يصبح معيار الفن الناجح، هو ما حكاه السيناريست الراحل محمود أبو زيد على لسان مزاجنجي في فيلم الكيف، حين قال: "اديني في الهايف وأنا أحبك يا فنناس".