من رسائل الإمام الطيب..
القوامة التي ظلمها كثير من الرجال!
ما يؤسف له في مجتمعاتنا أن كثيرًا من الرجال يفهمون القوامة بأنها تحكم وسيطرة مطلقة على المرأة من زوجها حتى ولو كان هو نفسه عالة عليها تقوم هي بالإنفاق عليه وعلى الأسرة كلها كما يحدث في حالات كثيرة لا تُحصى في برّ مصر.
حقيقة الأمر الشرعى مغايرة تماما لهذا الفهم الضيق؛ ذلك أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر يبسط في برنامج الرمضاني "الإمام الطيب" حقائق فقهية مهمة غابت أو غيّبت عنا؛ ولعل أول ما يتبادر إلى الأذهان من قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء" هو تقرير مبدأ قوامة الرجال على النساء بعامة، بما يعني ضمنا قوامة الزوج على الأسرة: زوجة وأولادا..
لكن المراد بالقوامة في تلك الآية كما يقول شيخ الأزهر قوامة محدودة بنطاق إدارة أمور الأسرة، وما تحتاجه من رعاية وحماية، بمعنى أنها قوامة إدارة وتسيير أعمال، وليست قوامة مطلقة على الزوجة لا حدود لها، أو قوامة رئاسة وسيطرة، بل قوامة شورى وشراكة وتوزيع أدوار وتبادل حقوق وواجبات، مؤكدا أن أفضلية القوامة ليست أفضلية تشريف، لكنها أفضلية اختيار للأنسب، والأكثر احتمالا لمشاق الأسرة، وصبرا على تكاليفها.
شروط القوامة
أما اختصاص الرجال بالقوامة دون النساء فذلك لسببين؛ أولهما تلك الفروق بين الرجال والنساء في القدرات، والتي ترشح الزوج للفوز بهذا المنصب، ليس لأنه أفضل من زوجته جنسا أو نوعا أو دينا أو خلقا أو منزلة عند الله أو قدرا عند الناس، ولكن لأصلحيته لأعباء هذه القيادة، وهذا هو معنى قوله تعالى في الأمر الأول: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 34]..
أما السبب الثاني فهو ما يوجبه الشرع على الزوج تجاه زوجته من مهر وإنفاق عليها وعلى أبنائها، وواجبات مالية أخرى تستحقها الزوجة شرعا حال حياته وبعد وفاته كما ورد في قوله تعالى {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
القوامة إذًا محدودة بنطاق شئون الأسرة؛ وليست حقا مطلقا للزوج، بل هي حق في مقابل واجب وهو: الإنفاق على الزوجة وعلى الأولاد، والإنفاق واجب ليس متروكا للزوج، إن شاء التزمه، وإن شاء أعفى نفسه منه، بل هو تكليف شرعي مطلوب على سبيل الوجوب، بما يوضح أننا أمام حق هو القوامة على الزوجة والأولاد، يقابله واجب هو: إنفاق الزوج عليهم، ولسنا أمام قوامة مستحقة للزوج استحقاقا مطلقا، أو استحقاقا ذاتيا لا يقابله واجب، بدليل أن الزوج لو امتنع عن الإنفاق فإن قوامته على زوجته تسقط من فورها، فيما يذهب إليه كثير من الفقهاء.
الإمام الأكبر يعيد مفهوم القوامة إلى حقيقته الصافية ليسقط أوهامًا علقت في أذهان رجال كثيرين فهموا القوامة بأنها إباحة التسلط على الزوجة، وسلب إرادتها ومصادرة حق التعبير عن رأيها.. هذا تفسير خاطيء يراه شيخ الأزهر لا إنسانيًا.. لا يعرفه الإسلام ولا تقره شريعته، وأن مثل هذا الفهم يمثل نشازا، بل خروجا صريحا على منظومة الآيات التي نزلت من فوق سبع سماوات لتحمي المرأة، زوجة كانت أو غير زوجة، وتصون إنسانيتها، وتحفظ حقوقها.
الحق أحق أن يتبع ولو أن كل طرف فهم ما عليه من واجبات وما له من حقوق لاختفى كثير من المشكلات ولخلت محاكم الأسرة من المتنازعين وتراجعت معدلات الطلاق.. نتمنى أن تصل رؤية الإمام الأكبر لكل بيت في مصر التي تستحق منا جهدًا أكبر لترتقي مكانها المستحق.