أسرار عالم البرزخ
ذكرت في مقال سابق أن كان لنا وجود سابق لوجودنا في هذا العالم وهذه الحياة الدنيوية. كان لنا وجود أولا في مكنون علم الغيب الإلهي ضمن مقدراته سبحانه وتعالى، إذ أن علم الله تعالى علم قديم أحاط بكل شيء يقول تعالى: "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)".
ثم أوجدنا الحق عز وجل في عالم الأرواح أو عالم الذر والعهد والميثاق بعدما خلق أبو البشر أبينا آدم عليه السلام، حيث مسح سبحانه على ظهر أبينا آدم بيد القدرة الإلهية فاستخرج سبحانه وتعالى من ظهره أرواح كل الذرية والبشر، وأخذ عليها العهد والميثاق والإقرار بربوبته.
يقول تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ".. ثم انتقلنا من عالم الأرواح إلى عالم الدنيا عالم الشهادة الذي نحن فيه الآن. كل في الميقات الذي قدره الحق سبحانه وتعالى.
ثم بعد استيفاء الآجال ووفاتنا سننتقل إلى عالم يسمى بعالم البرزخ وهو موضوع حديثنا في هذا المقال.. فماذا عن عالم البرزخ وهو العالم الذي سنقيم فيه بعد إنتهاء الأجال والوفاة؟ وماذا عن الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبي الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام: "القبر أول منازل الآخرة. والقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار؟. وهل عالم البرزخ عالم فيه حياة وحس وشعور؟
الجنة والنار
والإجابة: عندما يحين إنتهاء أجل الإنسان منا وفي اللحظات الأخيرة قبل وفاته يسلب الله تعالى منه النطق فيتوقف عن الكلام وهنا يكشف عنه الغطاء ويرفع عنه الحجاب فيكاشف بالعوالم الغيبة، وهذا ما أشار الله تعالى إليه بقوله تعالى "فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ". أي نافذ يرى ما لم يكن يراه..
هنا يأتيه ملكان وفي يد أحدهما صحيفة خاصة بمقادير العبد التي قدرها الحق بعلمه من قبل فيجلسان عند رأسه يراهما ولا يراهما من حوله فيسال أحدهما الآخر الذي معه الصحيفة: أنظر في صحيفته هل تجد له لقمة بعد هذه الساعة.. فينظر الملك في الصحيفة فيقول: لا.. فيسأله ثانية: أنظر في صحيفته هل تجد له شربة ماء بعد هذه الساعة.. فينظر ويقول له: لا..
ثم يسأله: أنظر في صحيفته هل تجد له نفسا من الهواء بعد هذه الساعة.. فيجيبه الملك: لا.. هنا تفارق الروح الجسد وتفيض روح العبد إلى ربها عز وجل وإن كان من أهل الإيمان تكفن بثوب من النور ويصعد بها الملائكة إلى المولى عز وجل فينظر تعالى إليها ويزكيها ويقيمها في دار التنعيم إلى يوم البعث والنشور، وإن كان صاحبها من أهل الكفر تكفن بأثواب من النار ولا ينظر الله إليها ولا يزكيها ويريها مقعدها من النار..
هذا وعند الوفاة يرى المتوفى إلى أين يذهب إلى الجنة أو الى النار فإن كان إلى الجنة يكاشف الله تعالى فيرى مقعده في الجنة فيفرح الإنسان ويسعد ويظل على هذا الحال إلى يوم القيامة.. والعكس إن كان من أهل الكفر يرى مقعده في النار فيتعذب ويتألم ويظل على هذا الحال إلى يوم القيامة..
وعلى أثر تلك المشاهدات جاء قول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله: القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار.. إذا مسألة تنعم العبد بالجنة وهو في قبره أو عذابه وشقاءه فيه هو أمر متعلق برؤية العبد لمقعده ومآله في الآخرة عند وفاته..
هذا وعندما يتوفى العبد يخرج من كل أحكام ومقتضيات عالم الدنيا ويقام في مقتضيات عالم البرزخ وهو عالم فيه حياة وحس وشعور لكن حياة غير متلعقة بالأجساد والاشباح فهي حياة متعلقة بالأرواح، إذ أن الأجساد بعد الوفاة تعود إلى حضن أمها الذي خرجت من رحمها وهى الأرض.. يقول عز وجل: “مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ”.. عزيزي القارئ نستكمل الحديث في اللقاء القادم بمشيئة الله تعالى..