نور الشريف: فيلم كشف لي معادن الفنانين!
في مقال اليوم يكشف لي ولكم صديقي الراحل العظيم الأستاذ نور الشريف، عن تجربة مهمة جدًا في حياته الفنية، لها خصوصية شديدة وتحمل مغامرةً وجرأة كبيرة، ووراءها كواليس وتفاصيل مشوقة، ونتائج كاشفة عن معادن الفنانين ومواقفهم في الأوقات الصعبة، وهو ما جعله يقوم بتصنيفهم ويتخذ قرارًا لم يكن من السهل عليه اتخاذه في حق بعضهم التزم به طوال حياته رغم تغير الظروف والأحوال؟! وعن هذه التجربة المثيرة والخاصة جدًا يقول الأستاذ نور الشريف:
تسعة أفلام
أنتجت من خلال شركتي N B أنا ورفيقة حياتي بوسي ٩ أفلامٍ، حتى هذه اللحظة، ومن هذه الأفلام.. دائرة الانتقام، ضربة شمس، قطة على نار، حبيبي دائمًا، آخر الرجال المحترمين، وهي أفلام جيدة ومهمة وناجحة ومحبوبة والحمد لله، ودوافعي الأساسية والجوهرية لإنتاج هذه الأفلام كانت دوافع فنيةً بحتة بالدرجة الأولى، ولم تكن دوافع ماديةً.
حيث أنني في كل مرة أقدم على إنتاج فيلم، يكون السبب الأول أنه لا يوجد منتج لديه حماس كبير يضاهي حماسي لتقديم هذا الفيلم، فضلًا عن كون إحساسي بالفيلم يكون أكبر وأكثر عمقًا بهذا الفيلم من غيري، وكل الأفلام التي أنتجتها اعتبرتها مغامرات فنية ليست محسوبة خاصةً من النواحي المادية، ورغم ذلك فإنني حققت مكاسباٍ ماديةٍ في ٧ أفلامٍ من التسعة، بينما لم أحقق أي مكاسب في الفيلمين الآخرين ولكنني لم أخسر فيهما أيضًا.
المغامرة الأهم
ويواصل الأستاذ نور الشريف حديثه لي وذكرياته الشيقة ويحكي عن أهم مغامرة في حياته الفنية ويلخص أسبابها ونتائجها ومدى الاستفادة منها قائلًا: لا شك أن أهم مغامرة فنية بالنسبة لي من كل الجوانب كانت في فيلم دائرة الانتقام الذي تم إنتاجه عام 1976 لأسباب عديدة أوجزها فيما يلي:
أولا: كان هذا الفيلم هو أول الأفلام التي أقوم بإنتاجها في حياتي، ومن ثم لم تكن لدي خبرة كافية بهذا المجال الجديد علي، وكان سني صغيرًا “30 عاما فقط ” وعهدي بالسينما لا يتعدى 10 سنواتٍ فقط، حيث بدأت مشواري بها في فيلم قصر الشوق عام 1967 لمخرج الروائع حسن الإمام مع القدير يحيى شاهين والرائعة نادية لطفي والمخضرم عبدالمنعم إبراهيم.
ثانيًا: أنني لم أكن أمتلك المال الوفير الذي يسمح لي بإنتاج فيلم كبير مثل دائرة الانتقام يضم كوكبة من النجوم.. ميرفت أمين، صلاح قابيل، يوسف شعبان، عمر الحريري، إبراهيم خان، شويكار، حياة قنديل، إضافة إلى عبد السلام محمد ومصطفى متولي ومحمد شوقي ومحمود فرج وآخرين، وأحداثه عديدة ومتنوعة وصعبة، وتنفيذه شاق ومكلف جدًا إنتاجيًا.
ثالثًا: أنني أغامر في هذا الفيلم بتقديم مخرجا يخرج لأول مرة وهو المخرج الشاب الصاعد وقتها سمير سيف فقد كنت من أشد المتحمسين له والمؤمنين بإمكانياته وقدراته كمخرج متمكن من أدواته خاصةً في مجال الأكشن والحركة.
معادن الفنانين
رابعًا: أثناء تصوير الفيلم نفدت الميزانية المخصصة له بالكامل، ومازال هناك أسبوعان متبقيان على الانتهاء من التصوير، وبالتالي فهناك أجور إضافية للفنانين عن الأسبوعين الزائدين، فضلًا عن تكاليف التصوير من معدات وفنيين وعمال وخلافه، وبعد جهد جهيد الحمد لله نجحت في تدبير تكاليف المعدات وأماكن التصوير، ولكن ظلت أجور الفنانين هي المعضلة المستعصية على الحل..
وهنا اكتشفت معادن الفنانين الذين يعملون معي؟!، حيث بادرت صديقتي الجميلة العزيزة التي هي أكثر فنانة عملت معي في السينما ميرفت آمين بالتنازل عن باقي أجرها عن الأسبوعين الإضافيين حتى عرض الفيلم وتوزيعه بالخارج، وحذى حذوها الفنان القدير الراحل صلاح قابيل والفنان الكبير عمر الحريري أطال الله عمره، في حين تمسك بعض الفنانين الآخرين بأجورهم الإضافية..
وهنا اضطررت من أجل استكمال الفيلم أن أحرر لهم عددًا من الشيكات مؤجلة الدفع ضمانًا لحقوقهم! وهؤلاء عرفت معدنهم الحقيقي بعيدًا عن المظاهر الخادعة والرتوش؟! واتخذت قرارًا صارمًا بعدم التعامل معهم بعد ذلك طيلة حياتي في أي أعمال من إنتاجي، وبالفعل نفذت هذا القرار تمامًا حتى هذه اللحظة.
والحمد لله استكملنا تصوير الفيلم بسلام وتم عرضه ولاقى نجاحًا جماهيريًا وفنيًا كبيرًا، وأعلن عن مولد مخرج جديد واعد هو سمير سيف ومنتج طموح هو نور الشريف.