استراتيجية الصف المقلوب ومستقبل التعليم في مصر
تسعى الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، إلى تطوير النظام التعليمى بشكل شامل، بهدف إكساب الطلاب مهارات علمية وبحثية مختلفة فضلا عن تطوير مهاراته وقدراته الشخصية، بعيدا عن الأساليب التقليدية القديمة التى تعتمد على الحفظ والتلقين..
وفى هذا الصدد نقدم نموذجا تربويا مميزا، يجعل من التعليم متعة مشوقة، ويهدف إلى استخدام التقنيات الحديثة وشبكة الإنترنت ويواكب متطلبات العصر الحديث، ويحقق طموحات الطلاب.
النموذج التربوي الجديد أو الاستراتيجية التعليمية الحديثة، تسمى استراتيجية الفصل المقلوب، والتى ظهرت فى تسعينيات القرن الماضى على يد الباحث والعالم الفيزيائي التربوي إريـك مازور، وأصبحت موضع اهتمام عدد من المدارس والمؤسسات التربوية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيـة.
استراتيجية الفصل المقلوب
ففي الصف التعليمى التقليدي يشرح المعلم الدرس ويترك للطلبة المراجعة من خلال حل الواجبات اليومية فى المنزل وهو أمر لا يراعى الفروق الفردية بين الطلبة.. أما في الصف المقلوب أو المعكوس، يقوم المُعلم بإعداد ملف إلكتروني ويشرح فيه محتويات الدروس والمفاهيم الجديدة باستخدام التقنيات السمعية والبصرية والعروض التفاعليـة، وبرامج المحاكاة..
ليقوم الطلبـة بمشاهدتها قبل الدرس، فيأتي الطلبة إلى الفصل ولديهم استعداد لتطبيق المفاهيم والمحتوى العام الذي قاموا بمشاهدته على شكل سلسلة من أنشطة التعلم النشط، بدلًا من إضاعة الوقت في الاستماع للمعلم في التعليم التقليدي وبذلك أصبحت تلك الاستراتيجيـة بمثابة بوابة لمشاركة الطلاب وتحولهم من متلقيين سلبيين إلى باحثين.
وكذلك تحولت بيئة التعلم من بيئة تتمحور حول المعلم إلى بيئة تتمحور حول الطالب نفسه، فهي بذلك تعد كما وصفها الباحثون والمهتمون بتطوير التعليم، مستقبل التعليم والطريق الأسهل إلى مسايرة التحول الرقمــي تدريجيًا.
في هذه الاستراتيجية المبتكرة من قبل إريك مازور والمطورة يتعلم الطلبة مفاهيم الدرس الجديد في أي وقت وأي مكان قبل الحصة باستخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة الحاسوبية المحمولة أو اللوحية، فيمكن للطلاب إعادة مقطع الفيديو عدة مرات ليتمكنوا من فهم المفاهيم الجديدة.
كما يمكن تسريع المقطع لتجاوز الجزئيات التي لهم خبره بها، مع إمكانية تدوين الملاحظات، لذا فهي تراعي الفروق الفردية بين الطلبة. كما أن عنصر الملل سيختفي وسيرتفع التشويق والاستمتاع بالتعلم.
ويمكن للطلبة مشاركة ما تعلموه من مفاهيم الدرس الجديدة من خلال أدوات الصف المقلوب والتي نذكر منها على سبيل المثال: تصميم وإعداد المعلم لفيديو وإرساله لطلابه بالصوت أو الصورة على أن تكون مدته من 5 إلى 10 دقيقة، وكذلك الكتاب المدرسـي، والمنصات التعليمية لوزارة التربية والتعليم والـ Edmodo الذي يسمح للمعلمين بإنشاء فصول افتراضية تتيح للطلبة الدردشـة مع بعضهم البعض من ناحيـة، ومع المعلم من ناحيـة أخرى..
وأيضًا Show me الذي يسمح بتسجيل الدروس بالصوت والصورة، والمحادثات الجماعية، وغيرها الكثيـر من الأدوات التقنيـة, كما يتشاركون خبراتهم الفردية وتجاربهم في بعض مفاهيم الدرس, ويمكنهم البحث في مصادر المعلومات الموثوقة عن معلومات إثرائية موسعة ومشاركتها بين أفراد المجموعة الواحدة.
فمن خلال هذه الأدوات والمصادر المتنوعـة ومعرفة الطلاب لاسم الدرس وموعد تنفيذه يتمكنون في المنزل من الإطلاع على الدروس باستخدام الحواسيب أو الأجهزة اللوحيـة، ثم بعد ذلك يقومون بتحليل المحتوى والتعرف على ماتضمنه من مفاهيم ومعارف ومراجعة الأنشطة وتدوين الأفكار والمعارف والقيم، وفي اليوم التالي يأتي الطلبة للفصل ولديهم الاستعداد الكامل لتطبيق ما تم تعلمه مسبقًا في المنزل وسجلوه في استمارة (فكر - شارك - كن ايجابيًا) التى يعدها المعلم لذلك.
حيث يضمن الصف المعكوس الاستغلال الجيد لوقت الحصة, فيبدأ المعلم بتقييم مستوى الطلبة في بداية الحصة ومراجعة ما تم تعلمه في المنزل وذلك لتقديم الدعم اللازم للمتعثرين، والتغذية الراجعة للجميع، ثم يقدم لهم مهام وأنشطة ومجموعة مسائل أو مشاريع ليتم تأديتها في الفصل بدلًا من إضاعة الوقت في الاستماع إلى شرح المعلم..
تطوير مهارات الطلبة
وهكذا نـجد أن الواجبات المنزلية في الصف المقلوب تختفي, حيث يقوم الطلبة بأداء الأنشطة التي كانت فروضًا منزلية في الصف. ومن هنا يتحول الطالب في الصف المقلوب المعكوس إلى باحث ومستخدم للتقنية بفاعلية من خلال التعلم خارج الفصول الدراسية.
وبالنسبة للمعلم، ففي التعليم التقليدي كانت أغلب الأدوار متمركزة حوله، فالمعلم في التعليم التقليدي يتعامل مع الطلبـة أحيانًا كأواني فارغة تصب فيها المعلومات، دون أي تفاعل منهم. أما في التعليم المقلوب المعكوس، فالمعلم يسعى إلى ربط نـجاح الطلبـة بالقدرة على التفكير المستقلي وحل المشكلات غير المتوقعة، والتعامل مع القضايا المعقدة.
وبعد أن كان هدف المعلم غالبًا هو إيصال المعلومة للطالب، أصبح هدفه هو تحقيق فهم أفضل لاحتياجات الطلبة من خلال محاولته الإجابة عن الأسئلة الآتيـة: ماذا يتعلم الطلبـة؟ وكيف يطبقون ماتعلموه بصورة عمليـة؟
وعليـه يصبح المعلم أكثر تفاعلًا مع طلبته وأكثر معرفـة بمدى اكتسابهم للمفاهيم وسرعة استيعابهم لها من خلال التغذية الراجعة التي يقدمها لهم حيث يقوم المعلم بتقييم مستوى الطلاب في بداية الحصة ثم يراجع معهم الأنشطة ثم يشرف على أنشطتهم ويقدم الدعم للمتعثرين والتغذية الراجعة للجميع..
بالإضافة إلى توفر الوقت الكافي في غرفة الصف لتدريب الطلبة وتطوير مهاراتهم وتعميق المفاهيم لديهم. وبذلك أصبح ينظر إلى المعلم كونه الميسر والمسهل والموجه والمدرب لطلابه وليس مجرد ملقن، ومن هنا يتضح أنه حتى يطبق المعلم استراتيجية الصف المقلوب لابد له أن يمتلك مهارات التعامل مع التكنولوجيا بمختلف أشكالها.
مما سبق أرى أن تطبيق استراتيجية الصف المقلوب بما فيها من توظيف جاد للتقنيات التكنولوجية الحديثـة المسايرة للتحول الرقمي في عصرنا هذا إنما تعد نقطة انطلاق جديدة واستشراق لمنظومة تعليمية جديدة يمكن أن نطلق عليها منظومة (3.0) والتي تعد امتدادًا لمنظومة التعليم المتطورة المطبقة حاليًا في مصرنا الحبيبة ولكنها بغلاف تقني جديد وتغيير حقيقي وجذري في دور كل من المعلم والمتعلم.