دولة الكيان الصهيوني!
لا أعتقد أن هناك دولة على وجه الأرض من الممكن أن تنزلق إلى تلك الخسة والوضاعة والتجرد من المشاعر الإنسانية، مثلما فعلت دولة الكيان الصهيوني خلال كارثة الزلازل الذي ألمّ بملايين الأبرياء في سوريا وتركيا، دون أدنى تحرك دولي لوقف سياسة العصابات التي يمارسها كيان من اللصوص، في ظل مساندة أمريكية مفضوحة على طول الخط منذ سنوات.
فأمام فجاعة المأساة الإنسانية التي ألمت بملايين السوريين والأتراك، سارعت أغلب دول العالم إلى تنحية الخلافات، والتسابق لإرسال المعونات وفرق إنقاذ إلى المناطق المنكوبة، أملا في إنقاذ حياة طفل أو شيخ أو امرأة من آلاف الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم فجأة دون حول لهم ولا قوة، أسفل ملايين الأطنان من ركام الأنقاض.
غير أنه كعادة الصهاينة الذين لا تردعهم دماء أبرياء أو أنين جرحى أو مشردين، حيث دفعوا دون تردد بمجموعة استخباراتية في صورة فريق إنقاذ إلى تركيا، كانت مهمتها الأولى ليس إنقاذ طفل أو نجدة منكوب، ولكن السطو على مخطوطات تاريخية أسفل ركام كنيس أنطاكيا التاريخي الذي انهار ضمن آلاف المباني بمنطقة كهرمان مرعش التركية.
مخطوطات استر
وما يدعو للعجب في أمر دولة الكيان الصهيوني، أنه لم يكن يعنيهم انهيار الكنيس التاريخي، أو حتى إنقاذ الضحايا اليهود وعلى رأسهم رئيس الجالية اليهودية في أنطاكيا وزوجته اللذان لقيا مصرعيهما أسفل أنقاض الزلزال، وانصب تركيزهم في السطو على لفائف تاريخية يهودية تسمى "مخطوطات استر" كانت موجودة في الكنيس، وتشكل مع التوراة جزءا مهما من الكتب المقدسة لدى اليهود.
وبالفعل وجد فريق اللصوص ضالتهم لدى يهودي تركي مسن، عثر على المخطوطات وسط ركام الكنيس، غير أنه كان يعلم قيمتها التاريخية، فأخفاها خشية أن تقع في أيدي من لا يعلم قيمتها، غير أنه بمجرد أن علم بوجود فريق الإنقاذ، ذهب وسلمهم المخطوطات، من منطلق أنهم يهود وسيقومون بحمايتها وتسليمها للسُلطات التركية، دون أن يعلم أنه سلمها لسفراء اللص الأكبر في العالم.
وخلال ساعات معدودة كانت المخطوطات النادرة في تل أبيب، وكادت عملية السطو التاريخية تمر بأمان، وسط انشغال السُلطات التركية بإكرام آلاف الضحايا بمواراتهم الثرى، وتضميد أنين الجرحى والمشردين. غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي الدولة الصهيونية..
حيث قام المسن اليهودى بفضح الأمر دون أن يدرى، وروى القصة كاملة لعدد من حاخامات اليهود الأتراك، الذين قاموا بالاتصال بعدد من كبار الحاخامات في إسرائيل، وكاد الأمر يتحول إلى فضيحة، لولا انصياع حكومة الكيان الصهيوني لنصيحة الحاخامات وسارعوا بإعادة المخطوطات التاريخية مرة أخرى إلى تركيا، وتسليمها للحاخامية اليهودية التركية في إسطنبول.
للأسف أن ما تم ليس بجديد على الدولة الصهيونية، العامر سجلها بآلاف عمليات السطو والسرقات العلنية للتاريخ والآثار والحضارة والموروث الشعبي العربي، بل والادعاء كذبا أنه من صناعة آبائهم وأجدادهم المؤسسين، لإسباغ الشرعية على دولة الاحتلال.
ولذا لا غرابة في أن يدعوا زورا، أن الجماعات الصهيونية التي احتلت فلسطين من نسل القبائل العبرانية التي عمرت البلاد قبل وصول العرب بمئات السنين، على الرغم من أن كل المراجع التاريخية تؤكد أن الفينيقيين الذي تعود أصولهم إلى قبائل الجزيرة العربية، قد سبقوا هجرة الجماعات العبرية إلى بلاد الشام.
جرائم دولة الاحتلال
ولا عجب أيضا في أن يدعوا كذبا، أن بنى إسرائيل هم من شيدوا الحضارة الفرعونية، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق "مناحم بيجين" قال نصا: "عانيت في مفاوضات السلام مع مصر كما عانى أجدادى في بناء الأهرامات"، وعندما حضر لزيارة مصر قال في تبجح أيضا: "أشعر بالزهو والفخر وسط الأهرامات التي بناها أجدادي".
ولأن ثقافة الصهاينة قائمة في الأصل على اللصوصية، فلا عجب فيما قاموا به من سطو على الآثار العربية وتهريبها إلى إسرائيل، لنسج تاريخ وهمى للدولة الصهيونية، وأبرزها نهب آلاف القطع الأثرية الفرعونية من صحراء سيناء، تحت إشراف مباشر من وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشى ديان، بعد حرب 1976.
وما قاموا به أيضا من تجريف للآثار والمخطوطات العراقية النادرة عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والتي شملت نحو 3 آلاف وثيقة نادرة، و1700 قطعة أثرية تعود للحقبة البابلية، ومعهم أقدم نسخة تاريخية من التلمود والتوراة، وكامل الأرشيف والآثار والمخطوطات الخاصة باليهود العراقيين، ونقل كل هذا التاريخ بالكامل إلى تل أبيب.
العجيب، أن حجم التزييف وصل بالكيان الصهيوني، أن رصدوا علنا ميزانيات ضخمة لصيانة وتطوير 150 موقعا أثريا عربيا وربطها بالمسار التوراتى المزعوم، وتقديمها للعالم زورا كآثار يهودية، من بينها الحرم الإبراهيمي، وقبر "راحيل" زوجة النبي "يعقوب"، مع عشرات المقابر اليهودية الوهمية التي قاموا بتشييدها بمحيط الأقصى والبلدة القديمة بالقدس المحتلة، في محاولة لتهويدها وتزوير تاريخها العربي.
المحزن أن جرائم دولة الاحتلال في السرقة وصل إلى حد السطو على أغنيات كبار المطربين العرب، مثل أم كلثوم وفيروز، وحكايات التراث العربي مثل جحا وعلاء الدين، وتخطت ذلك إلى السطو على الأكلات الشعبية مثل الطعمية و المحشي والممبار، التي أدعو أنها جميعا تراث شعبي يهودي.
الثابت أن دولة الاحتلال لا يردعها مراجع أو وقائع أو وثائق تاريخية، لدرجة أنها دخلت في معركة مع منظمة اليونسكو لإدراجها الآثار الفلسطينية ضمن قائمة التراث العالمي، متهمة المنظمة الدولية في تبجح أنها تطمس الهوية اليهودية للمدن الفلسطينية أصلا وتاريخا.. وكفى.