أكلة لحوم البشر في مصر!
حتى سنوات قليلة، كان ظني أن مصاصي الدم وآكلي لحوم البشر لا وجود لهم سوى في الروايات وأفلام الرعب، على ذات نسق قصة دراكولا مصاص الدماء التي استوحاها الروائي الإنجليزي برام ستوكر من شخصية فلاد الثالث، الذي يُعد أحد الأبطال القوميين في بلغاريا، نظرا لدوره البارز في حماية الأقليات في شمال وجنوب سهول نهر الدانوب.
وظل هذا الاعتقاد راسخا بداخلي إلى أن قرأت عددا من الكتب أكدت أن قبائل من أكلة لحوم البشر تسمى البيدي، كانت تعيش في العصور القديمة حول بحيرة كورة أو تشاد حاليا، وكشفت دراسات عن نقوش بكهف جنوب إنجلترا عن وجود آدميين من ذات النوعية المتوحشة خلال عصور ما قبل التاريخ، كانوا يأكلون فرائسهم ثم يقيمون طقوسا لدفن بقاياها، وهو ما أظهرته أيضا دراسات قام بها علماء على بقايا رفات بشرية داخل متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا.
غير أن يقيني زاد بوجود مثل هذه النماذج الشاذة من البشر دون -أن أراهم- بعد القضية الشهيرة التي تداولها القضاء الألماني منذ عدة سنوات، والتي اتهم فيها مهندس نشر عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يطلب تبرع شخص بجسده للأكل، وعلى الرغم من أن أغلب من قرأوا المنشور اعتبروه ساخرا، إلا أن شخصا من ذات النوعية من البشر أخذ الدعوة بشكل جدي وذهب لزيارة المهندس في بيته، حيث وجده منهمكًا في إعداد وجبة من اللحم البشري، فقام بمشاركته الوليمة دون تردد.
غير انه ما انتهيا من وجبتهما الدسمة، حتى انقض المهندس على ضيفه فقتله وأخذ في تناول لحمه لعدة أيام، وكاد الحادث يمر دون الكشف عن تفاصيله، إلا أن المهندس الذئب أعاد النشر مرة أخرى طالبا تطوع ضحية جديدة، وهو ما أثار الشرطة الألمانية ودفعها للتحرك ومعرفة حقيقة تلك الدعوات الغريبة، وكانت المفاجأة أنها تمكنت من وقف مذبحة كان المهندس الشاذ على وشك ارتكابها، بعد أن لبى 5 أشخاص دعوته في تلك المرة.
وعلى الرغم من أن الشرطة الألمانية عثرت بداخل منزل المهندس على بقايا عظام ولحوم بشرية، إلا أن القضاء لم يجد بالقانون الألماني أية نصوص تجرم أكل اللحم البشري، وتمت محاكمته بتهمة القتل العمد، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، ألا يوجد في مصر الآن أمثال تلك الفئة المسعورة من الذئاب البشرية؟
للأسف أن المتدبر في أمر الواقع المصري الحالي سوف يكتشف وبسهولة أنهم موجودون وبكثرة، غير أنهم أشد جرما وقسوة، لأنهم يتجرعون دماء فقراء المصريين ويتلذذون في تعذيبهم وأكل لحومهم أحياء، وفي العلن، ودون أدنى تحرك من الحكومة.
المحتكرون وآكلو لحوم البشر
فلا أعتقد أن هناك مسمى يمكن أن يطلق على آلاف التجار الذين يحتكرون أقوات الكادحين وإرهاقهم برفع الأسعار، سوى أنهم مصاصو دماء، ويجمعون ثروات على حساب شقاء وآلام الفقراء.. ولا يوجد وصف من الممكن أن يطلق على المرتشين، ولصوص المال العام، وتجار العملة والمخدرات، ومعهم جمعيات إقراض الغلابة في مقابل فوائد تصل لـ100% سوى أنهم يأكلون لحوم المطحونين أحياء.
ولعل ما يدعو للحسرة، أن ما يقوم به هؤلاء من جُرم، أنه يأتي في توقيت انخفضت فيه دخول كل المصريين بواقع النصف وأكثر خلال عام واحد، بعد أن انخفض سعر الجنيه المصري في مقابل الدولار من 16 إلى 30 جنيها، مما أدى بالتبعية إلى زيادة حجم الكساد والركود وانعدام فرص العمل، مع ارتفاع أسعار كافة السلع بمعدلات قياسية خلال شهر واحد، قدرتها بيانات جهاز الإحصاء الحكومي الرسمي بواقع 56.3% للحبوب والخبز، و59.7% اللحوم والدواجن، و56.9% للاسماك، وتخطت ارتفاعات منتجات الألبان والجبن والبيض حاجز الـ63% والخضروات 33.5%.
لقد سئل الإمام على بن أبي طالب ذات يوم: من أحقر الناس؟، فقال: "من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم"، غير أنني أرى أن وصف الإمام - كرم الله وجهه - لتلك الفئة كان لطيفا للغاية، ولو قدر له أن يكون بيننا خلال تلك الفترة لوصفهم بما هو أشد حطا من الحقارة، لا لشيء سوى أن الواقع تخطى الجوع، ووصل إلى مص دماء فقراء المصريين والتلذذ بأكل لحومهم أحياء.
وحتى لا أتهم بالتجني، فيكفيني هنا الاستشهاد بالأرقام التي وردت بالإحصاء الأخير الذي قام به الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2017، والتي أكدت أن معدلات الفقر في مصر قد بلغت16.7% في عام 1999، وارتفعت إلى 19.6% في عام 2004، ثم قفزت إلى 21.6% في عام 2008، وزادت إلى 25.2% في عام 2010، وواصلت الصعود بعد يناير 2011 حتى بلغت في عام 2012 نحو 26.3%، ثم 27.8% في عام 2015، ثم سجلت نحو 32.5 % في عام 2017.
وحتى نعلم مدى الجرم الذي يرتكبه مصاصو الدماء وآكلو لحوم البشر بحق الكادحين، فقد اعترف جهاز الإحصاء بأنه ليس هناك فقر في مصر فحسب، بل هناك أيضا فقراء مدقعون لا يجدون قوت يومهم، وصلت نسبتهم في عام 2017 - 2018 إلى 6.2% أي ما يزيد على الـ 5 ملايين مصري في ذلك التوقيت.
غير أن واقع ما نعيشه الآن يؤكد أن كل الأرقام السابقة قد تضاعفت خلال السنوات الـ5 الماضية، بانضمام الطبقة المتوسطة بكامل هيئتها إلى فئة الفقراء والمدقعين فقرا، وسط غيبة تامة للرقابة والقوانين الرادعة، وانفصال تام من الحكومة والبرلمان عن واقع الكادحين الذين يعانون يوميا آلام مص دمائهم وأكل لحومهم حية،.. وكفي