مفاتيح السعادة، حب النبي وآل بيته (1)
"حب النبي أساس العبادة، وحب آل بيته مفتاح السعادة".. قاعدة احفظوها عني، فهي مجربة، منذ عهد الصحابة، رضوان الله عليهم وأرضاهم أجمعين، فحفظوا وصية رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في آل بيته، الطيبين الطاهرين، ورعوها حق رعايتها.. ورأينا ذلك في أحاديث أبي بكر وعمر، وابن عباس، وأبي هريرة، رضي الله عنهم، مع أفراد من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.. أيقن هؤلاء أن حبَّ النبي وآل بيته مثل أركان الإسلام.
حبُّ النبيِّ أساسُ العبادةِ والإيمانِ لو تعلمون، ألمْ يقلْ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ: "لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ، ووالدِهِ، والناسِ أجمعينَ".. (رواه أنس بن مالك).
الله عز وجل، جمع في آية واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله، وحب رسوله في كفةٍ: "قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة: 24).
حب رسول الله
وقال القاضي عياض، رحمه الله: "فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: "فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ"، ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: "وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل. فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة. ويأتينا دليل عظيم وبليغ في قول الحق: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم".. (الأحزاب: 6).
ولا شك أن لكل منا تجربته الشخصية في حب النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وتوقيره، وتعظيمه وإجلاله، وما لذلك من أثر كبير وجميل في حياته. أما من كان على النقيض، فلنرثى لحاله، ونسأل الله له الهداية. المحبون لسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لهم البشرى في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.. ولهم السعادة في الدارين، وفي القبر سيكون له ذلك الحب أجمل مؤنس، وأطيب رفيق.
وهؤلاء، جعلنا الله منهم، تجد ألسنتهم دومًا رطبة، بالصلاة على النبي، صلى الله عليه وآله وسلم. وبالصلاة على النبي؛ تقبل العبادات، وتتضاعف الحسنات، وتنمحي السيئات، وتغفر الزلات. أما عن حب آل بيت الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مفتاح السعادة، كما أسلفنا.
قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من ولدي ووالدي والناس أجمعين إلا نفسي، فقال له صلى الله عليه وسلم: «لا يكمل إيمانك يا عمر حتي أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك». فقال عمر رضي الله عنه: الذي بعثك بالحق نبيًا يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «الآن كمل إيمانك يا عمر».
فهم الصحابة هذه الحقيقة واستوعبوها، وطبقوها، كما أوصى بها سيدنا النبي، صلوات ربي وتسليماته عليه، فأحبوا ذريته، وآله، وكل من انتمى إليه، إلى أن أطبقت الفتنة الكبرى على الأمة الإسلامية، فأخرجتها من نور الطاعة، والمحبة، والتآخي، إلى ظلمات المعصية، والبغض، والشقاق.. وأحالت معظم بقاع الإسلام إلى بحار من الدماء، وسقطت جماجم البدريين، والمسلمين الأوائل، واغتيل صحابة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.