قتل الإخوة على الطريقة التركية (2)
بطبيعة الحال، لم يتوانَ الأتراك، وهم بارعون جدًّا في الدعاية، وفنون الإعلام، في الدفاع عن ملوكهم، وتبييض وجه دولتهم الذي شوهه ذلك التشريع الكارثي، والذي لم يعرف له التاريخ، قديمًا وحديثًا، شبيهًا، أو نظيرًا، فوصفوا تلك الحقائق بأنها "إدعاءات وآراء حديثة وغريبة قد ظهرت في عهد ما بعد الجمهورية (التركية)، أوردها مستشرقون أو علماء أتراك في بحوثهم ومؤلفاتهم بشأن القانون في الدولة العثمانية".
وزعموا أن هذه الإدعاءات قد عُدَّت مسائل ثابتة وأساسية وصحيحة في الأوساط القانونية والثقافية البعيدة عن فهم القانون في الإسلام. وادعى الأتراك أن العلماء في فترة ما قبل الجمهورية، سواء المستشرقين منهم أو المسلمين، لم يقعوا في خطأ فاضح مثل هذا؛ ذلك أن هذا التشريع استند إلى مبادئ الشريعة والعلوم الإسلامية!.
إلى هذا الحد تبلغ الإساءة للإسلام نفسه. المصيبة أن السلفيين يبررون هذا التاريخ الدموي، ويزعمون أن قانون نامة يأتي تحت بند المصلحة العامة، ويقولون إن دفع المفسدة مقدم على جلب المنفعة، وأنه لابأس من إيقاع الضرر بفرد أو عدة أفراد، بدلا من الإضرار بأمة بأكملها.
قانون نامة
أما بعض مَنْ يتسمون بالمكر والدهاء، فيرون أن التقليد القائل بأن "المملكة هي ملك مشترك للعائلة الحاكمة" قد استمر منذ عادات الأتراك السياسية الأولى حتى لما بعد دخولهم الإسلام، واعتاد بعض الحكام الأتراك أن يقسم ممتلكاته على أبنائه الأمراء من أجل تجنب حصول حرب أهلية، ومع ذلك فإن هذه الممارسة كانت الطريق لإضعاف الدولة، ومهّدت الطريق لإسقاطها.
وقد تعلم العثمانيون من هذه التجارب، وضحوا بأنفسهم من أجل الدولة والشعب، وشربوا السمّ المرير بأنفسم، كان هذا السم المرير هو إعدام أفراد العائلة من أجل المصلحة العامة، والتي عرفت باسم قتل الإخوة.
قال محمد الأول، السلطان العثماني الرابع، وجدّ محمد الفاتح، في رسالته إلى تيمورلنك: "لقد تعامل أجدادي مع بعض العقبات، لذلك فلا يمكن لسلطانين أن يعيشا في دولة واحدة". فإعدام أفراد الأسرة الحاكمة لأسباب سياسية لم يمارسه العثمانيين فقط، بل مارسه الساسانيون والرومان والبيزنطيون، بل وحتى الدولة الأندلسية المسلمة، ومع ذلك كان السبب الرئيسي لهذه الممارسة من قِبَل هذه الممالك المختلفة، هو الحفاظ على العرش.
ويُروى أن أول حادثة للإعدام قد حدثت على يد مؤسس الدولة الأول، عثمان غازي، مؤسس الدولة العثمانية، في عام 1298، وكان ضحيتها عمه دوندار بيك، والذي كان يشتغل لمصلحته الخاصة، كما تعامل مع أمراء الإقطاع البيزنطيين. وخلال القرون القليلة الأولى، كان أفراد العائلة يمثلون مشكلة أمام الدولة تحت حكم أغلب السلاطين، وكان الشاهزادات (الأمراء، أبناء السلاطين)، الذين ادّعوا العرش لهم، قد تلقوا الدعم من قبل الولايات الأناضولية وكذا من البيزنطيين.
وفي أعقاب معركة أنقرة عام 1402، التي هزم فيها العثمانيون، حيث سقطت الدولة في عهد الفترة، وتقاتل أربعة من الأمراء على الحكم، من أبناء بايزيد الأول، وكان كلٌ منهم قد جمع الآلاف من الجند والداعمين له ليتقاتلوا للحصول على العرش لسنوات عديدة. وبعد انتهاء هذه الحرب الأهلية، كان محمد الأول، هو المنتصر الوحيد الذي تغلّب على إخوته بحيث استطاع السيطرة على العرش العثماني عام 1413.
حقيقة الخلافة العثمانية
ولم تكن هنالك أية قاعدة معينة لخلافة العرش عند العثمانيين، فقد يستقونها من العادات التركية القديمة، بحيث يتم إرسال كل أمير من أبناء السلطان بعد عمر الـ 12 إلى السنجق (الناحية الإدارية في تقاسيم الإدارة العثمانية)، وهي آنذاك كانت ضمن مسافات متعادلة وقريبة من مركز إدارة الدولة. وهنالك ينالون قسطًا من التدريب في الحكم والإدارة إلى حين وفاة السلطان حتى يأتي أحد الأبناء لينال مكانه ويخلف أباه.
هذه هي الخلافة العثمانية التي يدعو كثيرون من السذج، أو المغرضين إلى إحيائها. يقول الكاتب التركي أكرم بوغرا إلنجي، في كتابه "تاريخ قتل الإخوة في الإمبراطورية العثمانية": "إن إقدام سلاطين بني عثمان على قتل إخوتهم وأبنائهم، كان في الواقع أسبق تاريخيًّا من عهد محمد الفاتح الذي تولى الحكم عام 1451".
ويضيف: "إن السلطان مراد الأول الذى تولى الحكم عام 1359 أعدم أصغر أبنائه الأمير ساوچي ذو الـ 14 عاما"، وبلغت الوحشية بالسلطان مراد، أن دخل على ابنه في السجن، وسكب في عينيه زجاجة من ماء النار، وتركه على هذه الحال ثلاثة أيام ثم أعدمه خنقا!.
وقام السلطان مراد الرابع بقتل ثلاثة من أشقائه بدءًا بسليمان ثم بايزيد ثم قاسم، وعندما حاول قتل شقيقة الرابع إبراهيم، قامت والدته السلطانة كوسيم بحمايته خوفا من انقراض آل عثمان! أما السلطانة كوسيم نفسها، فقد حاربت ابنها مراد الرابع وسجنته، وأعدمته فى السجن، ثم أوصلت ابنها إبراهيم للسلطنة، ولكنها بعد ذلك حاربت إبراهيم أيضًا وعزلته، ثم أعدمته بعد 10 أيام من عزله، ونصبت حفيدها محمد شاه زادة "صاحب الـ 6 سنوات" سلطانا حتى تكون وصية عليه!
وفي كتاب "تاريخ الدولة العلية العثمانية"، يقول مؤلفه المصري محمد فريد: إن القتل لم يكن يتم باستخدام السيف، وذلك بسبب موروث تركي مغولي قديم، حيث كانوا يؤمنون بأن السماء تستاء من إراقة الدماء، ولذلك فقد كان القتل يتم خنقًا بغير إسالة للدماء، وذلك باستخدام وتر القوس أو بخيط حريري.