انتخابات الصحفيين.. فرصة للإنقاذ أم مزيد من التدهور؟! (2)
المرشحون الجدد لانتخابات الصحفيين التي تجري الجمعة المقبلة لاختيار النقيب و6 من أعضاء المجلس.. ينتظرهم مهام ثقيلة أرجو أن يتحسبوا لها جيدًا حتى يمكنهم إنقاذ مهنة تعاني تراجعًا كبيرًا في الدور والمكانة والتأثير وتصارع للبقاء..
فلن تحل مشاكل المهنة بزيادة البدل فقط أو بتوسع مظلة الخدمات الاجتماعية للصحفيين رغم أهميتها في ظل الظروف الحالية. أما عوامل ضعف المهنة وتدهورها فهي كثيرة وتحتاج لعقد مؤتمر لشيوخ المهنة وأجيالها الجديدة للنقاش الموضوعي ووضع الحلول.
التشخيص الجيد لأوجاع صاحبة الجلالة مقدمة لا غنى عنها للإصلاح المنشود ولعل أهم تلك الآفات عدم تناقل الخبرات بين الأجيال وضعف الوازع الأخلاقي والانتهازية لدى البعض وتراجع قيم مهنية أصيلة تحت سنابك المنافسة الشرسة وتساهل النقابة في قبول كل هؤلاء الأعضاء بعد أحداث يناير2011.. حتى باتت المهنة أكثر عددًا، وأقل أثرًا ونفعًا..
ورغم نشاط التدريب لكنه لا يزال في حاجة لمضاعفة الجهود والتوسع في فنون الصحافة الأحدث مثل الذكاء الاصطناعي والصحافة الاستقصائية حتى تكسب الصحافة جمهورًا جديدًا هي في حاجة إليه!
لابد أن نعترف بأن دخلاء كثرًا تكالبوا على الصحافة والإعلام، وتسلق شجرتهما هواة من كل صوب وحدب بعد أن جذبهم بريقهما وغواية شهرتهما وذيوع صيتهما بينما تخلت عن أوائل الخريجين من أقسام الصحافة وكليات الإعلام..
وعجزت نقابة الصحفيين ومن بعدها نقابة الإعلاميين عن صد هذا الزحف على نيل عضويتهما طمعًا في مزايا مادية جرى إقرارها للأولى أصلًا لإعانة الصحفي على مواكبة مستجدات العصر والتكنولوجيا..
إنقاذ مهنة الصحافة
ما يحزن في هذا الأمر ما سمعناه عن سماح صحف خاصة وحزبية بدخول أعضاء للنقابة بإملاءات وشروط غير مهنية تسببت للأسف في تجاوزات غير أخلاقية تنتهك تقاليد عريقة للمهنة أرساها رواد مبدعون ذوو ضمائر حية ونفوس سوية خاضوا معارك مشرفة من النضال المرير..
ولم تكن المحسوبية بريئة من حصول أشخاص فاقدين لأدني مقومات المهنية على عضوية النقابة.. خاصة في صحف سخرها البعض لخدمة أجنداتهم ومصالحهم دون الالتزام بمعايير شفافة لضم أمثال هؤلاء إلى بلاط صاحبة الجلالة.
ولعل ما نراه اليوم من فوضى صحفية كان نتاجًا لأوضاع وعوامل عديدة، كان لانتخابات النقابة في دورات سابقة أيضًا دور ليس هينًا فيها، وهو ما نأمل من المرشحين سواء على مقعد النقيب أو عضوية المجلس أن يقدم كل واحد منهم برنامجًا انتخابيًا مقنعًا ينتزع به حماس الصحفيين الذين اعتادوا العزوف عن الحضور حتى بات النصاب القانوني لا يكتمل من أول جولة..
وهل تأتي برامج المرشحين الجدد من العبارات الإنشائية تتكرر مع كل انتخابات.. وأن تقدم تلك البرامج جوابًا مقنعًا لسؤال حتمي: ما سنفعل لإنقاذ المهنة مما وصلت إليه من عشوائية وتردٍ وتراجع في الدور والمكانة.. وهي معضلات تزداد تفاقمًا عامًا بعد عام..
أجور الصحفيين
فلا تزال أجور الصحفيين هي الأدني بين فئات المجتمع.. فهناك نسبة لا تقل عن 95% من الصحفيين عاجزون عن مواجهة صعوبات الحياة ومتطلبات المهنة.. وهناك عدد غير قليل لا يحصل إلا على بدل التدريب والتكنولوجيا.. بالإضافة لآخرين لا يحصلون على أي علاوات دورية في صحف حزبية وخاصة استغنى بعضها عنهم نتيجة صعوبات اقتصادية تتفاقم أمام التحديات المتزايدة.
دعونا نكن صرحاء لنضع أيدينا على مواطن الخلل والقصور إذا أردنا حلها.. ولست أبالغ إذا قلت إن الصحافة تراجعت مكانتها وتراجع معها مكانة الصحفيين في المجتمع، ولم يعد بإمكان الصحفي الوصول للمسئول –أي مسئول- مباشرة، بل صار المتحدث الرسمي لأي جهة رسمية ظاهرة تمنع تحقيق الانفرادات والسبق الصحفي بعد أن صار هذا المتحدث هو الصحفي الأوحد الذي يصوغ البيانات والمعلومات ثم يلقي بها إلى الصحفيين..
ولعل بحثًا سريعًا عن أي معلومة أو قضية على جوجل مثلا ستأتيك بمتوالية خبرية صيغت كلها وفق نمط واحد وربما بعناوين متشابهة.. فأي مصلحة في حجب الصحفي عن الوزير أو أي مسئول حتى يلقاه بصورة مباشرة دون حجاب كما هي حال الصحافة في كل الدنيا..
حلول عاجلة لمشاكل الصحفيين
ومَن من المرشحين يملك حلًا لهذه الإشكالية إذا سلمنا أن الصحافة رسالة مهمتها الرقابة والتوعية بنشر الخبر الصادق والتحليل المعمق والتحقيق الموضوعي.. والرأي النزيه الذي هو حق لصاحبه لا سلطان عليه إلا ضميره وصالح مجتمعه، ولا رقابة عليه إلا القانون؟!
مطلوب من مجلس نقابة الصحفيين القادم أن يضع ضوابط حاسمة لغلق الأبواب الخلفية التي تسمح بالتسلل خلسة لعضوية نقابتنا، وإدارة حوار مجتمعي موسع لوضع كود أخلاقي للمهنة يصونها من العبث ويحفظها من الانهيار؟!
كما أن مجلس نقابتنا القادم مطالب أيضًا مع الأجهزة المعنية بالصحافة والإعلام باتخاذ إجراءات فورية لإصلاح الإعلام والصحافة ولاسيما إعلام الدولة؛ فهو دون غيره رمانة ميزان وصمام أمان أمننا القومي.
الكل خاسر باستمرار الأوضاع المتردية للصحافة والإعلام.. والخاسر الأكبر هو الوطن.. والأجدى أن تبحث الجماعة الصحفية والإعلامية عن مداخل أكثر واقعية لاستعادة التأثير والمصداقية في وقت تشتد فيه حاجة الوطن إليهما وإلى كل كلمة صادقة وصورة معبرة ولقطة موحية قادرة على إحباط آلاف الشائعات..
كما أن الوطن يعول على الإعلام في تمهيد وصناعة النصر في معارك البقاء والبناء وتحصينه ضد رياح الفتن والمؤامرات التي تهب بين الحين والآخر.. وتتعاظم حاجته أيضًا لعودة الإعلام ملتزما بقضايا أمته في ظل ما تعانيه من ظروف قاسية.. فالكذب لا يصمد أبدًا إذا ما أشرقت أنوار الحقيقة.
نريد أجندة عمل نقابية تقدم حلولا واقعية لمشكلة أجور الصحفيين وحصولهم على المعلومات من مصادرها دون إبطاء أو تعقيد حتى لا تتخلف الصحافة عن دورها في توعية الناس وإغنائهم عن اللجوء لمصادر أخرى تتفنن في نشر البلبلة وتشويه الحقائق وطمس الإنجازات وإهالة التراب على كل ما هو إيجابي في الدولة المصرية.
إن صلاح الأمة في صلاح إعلامها وصحافتها فهما ضمانة لقوتها وحيويتها وقد آن الأوان أن يستردا عافيتهما ومكانتهما وتأثيرهما القوي في المجتمعوهو ما يلقي بمسئولية كبرى على عاتق الجهات المهنية بصناعة الإعلام وفي القلب منها نقابة الصحفيين التي عليها دور كبير في رد الاعتبار للمهنة وتحسين أحوال أبنائها واستعادة المكانة العريقة للصحفي كما كانت في الزمن الجميل..
وتلك ولا شك أبسط مقومات العمل النقابي.. فهل يكون المرشحون على قدر التحديات.. والأهم هل تحسن الجماعة الصحفية اختيار من يعبر عن أحلامهم ويدافع عن وجودهم ويبقيهم على قيد الأمل؟!