الخبراء الوهميون
يجلس أحدهم على مكتبه يجهز كوب الشاي أو فنجان القهوة المفضل لديه.. يرتب موقع التصوير في حجرة منمقة من حجرات بيته ويختار مقعده الوثير وأمامه هاتفه وبضغطة واحدة على أيقونة البث المباشر يبدأ في بث حلقته.. هكذا يعمل مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ولكل منهم صفحته الشخصية على فيسبوك وقناته على يوتيوب.
دفعني الفَضول إلى تحليل المحتوى المقدم بصفحات عدد من هؤلاء المشاهير وقارنته بمعدل المشاهدات التي يحصدونها والتي ترتبط حتما بربح أحسبه وفيرا؛ جرَّاء تزايد معدل التفاعل والمتابعة لمقاطع الفيديو التي يتم بثها بشكل يومي.. ووجدت لذلك المحتوى منهجا هو أقرب إلى الإثارة منه إلى الموضوعية.
نصَّب بعض هؤلاء المشاهير أنفسهم خبراء في كل شيء فلا يتركون في الشأن الداخلي شاردة ولا واردة إلا وأخضعوها للتحليل والتنظير.. ومع مرور الوقت وجدت كثيرا من هؤلاء المحللين يظهرون في القنوات المختلفة بصفتهم خبراء ويعتمدون على سياسة الإبهار لكنهم في حقيقتهم خبراء وهميون.
إن أحدهم يتحدث بأن لديه مصادر خاصة لمعلوماته وينبري انتقادا لعلاقة مصر بالدول العربية طعنا وقدحا وتحريضا، دون أدنى علم بمعطيات الأمن القومي الذي تعد العلاقات الخارجية المتوازنة إحدى ركائزه التي يتعرضون لها بضرباتهم ليلا نهارا دون حسيب أو رقيب.
لست هنا في حالة استعداء ضد الحرية ولست داعيا للحجر على الآراء أو كبتها ولكن رسالتي إلى أصحاب تلك المنصات والصفحات الذين أحترم محاولاتهم وقدرتهم على التأثير بأن يراعوا فيما يبثونه من تحليلات أنهم بحاجة إلى مزيد من المجهود في إعداد المحتوى الذي يقدمونه للناس وتأكيد وتوثيق المعلومات المقدمة ومراعاة المسؤوليات المتعلقة بالأمن القومي للبلاد. وكثير من المتابعين يتأثر بهم ويقتنع بآرائهم..
وأخيرا رجائي الوحيد لأهل الفكر والرأي والخبرة الأساتذة الإعلاميين الكبار أنه ينبغي التحلي بمزيد من الموضوعية والمسؤولية في تناول علاقات مصر الخارجية فالكلمة أمانة ومسؤولية نحن عليها محاسبون أمام التاريخ.. وإنني علي يقين بأن هؤلاء الإعلاميين على قدر وافر من الخبرة والثقافة والعلم والمهنية الوطنية لإعادة النظر فيما يقدمونه ومراجعة بعض مواقفهم بأسلوب عقلاني موضوعي متوازن لأن الكلمة أمانة ومسؤولية.. والله من وراء القصد.