قصة حب الشيخ الشعراوي
«ماذا سأنشر اليوم.. وكيف أنقذ صفحتي التي بدأت تتراجع مشاهداتها على مواقع التواصل الاجتماعي.. حتى استضافتي في مختلف البرامج لم تعد متاحة لي أمام طغيان صناع المحتوى الذين يحصدون المشاهدين والمتابعين بأرقام مليونية عبر مواقع الفيديوهات.. ما هو الحل؟».
أسئلة كثيرة على هذه الشاكلة بدأت تجول في خاطر أحدهم حينما استيقظ من نومه العميق فجأة.. أخذ يفتش في أوراقه القديمة لعلَّه يجد فيها مادة لكتابة «سكريبت» عالي التركيز شديد الأثر لنشره في حلقة أو صفحة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.. فرك عينيه.. صال وجال بين المكتب والشرفة.. يحتسي كوب شاي يتلوه فنجان قهوة.
يصرخ فجأة: «أخيرا وجدتها.. فكرة بمليون متابع جديد.. انتقادات أقوم ببثها ضد عالم كبير أو شخصية شهيرة.. حتما ستكون تلك الفكرة مثيرة للجدل، لكنها في ذات الوقت ستضمن لي ما لم أحلم بتحقيقه من قبل».
هكذا أصبح حال أولئك الذين بادروا بالهجوم السافر على الشيخ الإمام محمد متولي الشعراوي.. وهم يعلمون علم اليقين أن إدعاءاتهم ستُقابل بردود أفعال واسعة النطاق؛ بحيث تضمن لهم تلك الردود ترديد أسمائهم عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وما أشهره من رواج، فضلًا عن إعادة ذكر أسمائهم على القنوات الفضائية.
وهم بين هذه وتلك «تنويريون.. مثقفون.. مبدعون»، أو هكذا يحلو لهم أن يصفوا أنفسهم بما ليس فيهم.. وحسنا فعل الأزهر الشريف وشيخه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، حيث أصدر بيانا قليل الكلمات كثير المعاني شديد الدلالة.. موجز الصياغة واسع التأثير، لم يشر الأزهر الشريف من قريب أو بعيد إلى أسماء الذين تورطوا في إصدار أحكام فقهية على الإمام الراحل الشيخ الشعراوى دون أن يكون لهم رصيد من العلوم الشرعية.
أراء الشيخ الشعراوى
إن الدفاع عن الشيخ الشعراوي وغيره من أصحاب العمائم والقلوب البيضاء، ليس دفاعًا عن أشخاص أو أسماء ولكنه ترسيخ قيمة ومبدأ وهُوية بلد وتاريخه وثقافته.. ولم يكن الشيخ الشعراوي يومًا في موضع إتهام حتى نعيد تكرار آرائه وأصول منهجه في الدفاع عن الإسلام والتصدي لفتاوى التشدد وحربه على الجماعات الضالة التي اتخذت الدين ستارا.
ظل الرجل يحتفظ برصيد لا ينضب من الاحترام بينه وبين الجميع حتى من اختلفوا معه، ترك منصبه كوزير للأوقاف وظل الرئيس الراحل أنور السادات يكن له كل تقدير واحترام.. كنت أتمنى أن تعطي الدراسات الإعلامية والدعوية لعلم الشيخ الشعراوي حقه.
يجهل كثيرون أن الشيخ الشعرواي كان يمتلك أدوات إعلامية خاصة على الرغم من أن الرجل لم يدرس الإعلام بشكل نظامي، لكنه كان قادرا بموهبة فذة وأسلوب فريد على الوصول إلى قلوب مستمعيه وقلوبهم بالنزول إلى مستواهم في عرض المعلومة وشرح ألفاظ اللغة بطريقة مستنيرة هادئة يضرب في شروحه الأمثال من حياة الناس وواقعهم.
وقفت فيما وقفت من عناوين لكتب الرجل على كتاب بعنوان «شبهات وأباطيل خصوم الإسلام»، ووجدت فيه مادة علمية ثرية مكتوبة بأسلوب فريد واتزان محكم ودقة علمية وأدلة موضوعية راقية.
إننا إذا كنا نحتاج إعادة صياغة حقيقية لواقعنا؛ فنحن بحاجة إلى العودة الجادة إلى تلك المناهج المعتدلة ومن بينها كتب الشيخ الشعراوي التي لم يجرؤ منظرو الجماعات الإرهابية الضالة الجاهلة على الطعن فيها بعد أن كشف الشعراوي زيف أفكارهم وادعاءاتهم..
حيث قدم أدلة علمية موضوعية على ضلال جماعات الإرهاب وأثبت أنها تعمل ضد الدين وليس لصالحه، فهل نعطي للرجل حقه بعدما قدمه للدين والوطن وكرَّس حياته للعلم فتحولت العلاقة بينه وبينه إلى قصد حب قلما تتكرر في العصر الحديث بين عالم ومنهجه؟.. والله من وراء القصد.