الفلاح المصري ودعم القطاع الزراعي
إنها سيدة بسيطة ترتسم على وجهها خطوط يشير كل منها إلى عقد من السنوات مرَّت من عمرها المبارك.. تكاد حينما تنظر إلى وجهها أن تختصر فلسفة الحياة الراقية الهادئة الهانئة البسيطة. هكذا تبدو أمهاتنا في ريف مصر بالوجهين القبلي والبحري..
تقوم الدنيا وتقعد من غلاء الأسعار والأحوال المعيشية وهنَّ كما عهدناهن يرفعن الرضا شعارا للحياة والقناعة منهجا للمعيشة.. تناقش إحداهن في مسألة الغلاء فترى ردودها منطقية وإن كانت تلك الردود غير مقنعة لنا –نحن أبناء الجيل الحالي-.. ما أن يحتد نقاش بينك وبين واحدة منهن حال إصرارك على رأيك فتراها تردد من قلبها كلمة «الحمد لله».
إنَّ الحياة في ريف مصر تخضع لفلسفة غريبة ربما نفتقدها في خضم الحياة العصرية ذات المغريات والنفقات المرتبطة بالحياة في المدينة فمع إبهار المدينة وتطورها لا زالت المدن بحاجة إلى تعزيز الجانب الروحي والتواصل الإنساني بين أهلها، وحتى الذين سكنوا المدن من أصول ريفية يظلون دائما على حنين إلى الأرياف وأهلها وحقولها.. أما أهل المدن الذين ليس لهم أصول قروية فيعتبرون القرى فاكهة الحياة البسيطة وجنان الله في الأرض وهم في ذلك محقون.
دعم القطاع الزراعي
مع ذلك الرونق والجمال الملازم للقرى المصرية وأهلها نرى مبادرات رسمية لإمداد القرى بمزيد من الخدمات العصرية وفي ذلك كله خير، لكننا في الوقت نفسه نحتاج أن نعيد القرية المصرية اقتصاديا إلى سابق عهدها باعتبارها قرية منتجة تصدر إلى المدينة ما لذَّ وطاب من الخضراوات والفاكهة ومنتجات الثرورة الحيوانية. وأعني باستعادة الطبيعة الإنتاجية إلى القرية المصرية أن نجدد الدعم للقطاع الزراعي بما يضمن للفلاح المصري مستوى الاستقرار الذي يرتضيه.
إن دعم القطاع الزراعي بقوة هو بداية الطريق للاكتفاء الذاتي الكامل من المحاصيل الحيوية والثروة الحيوانية.. وكلنا على ثقة في قدرات أهالينا الفلاحين الذين يعشقون الزراعة بالفطرة ويبدعون في الابتكار والسعي في زيادة الإنتاج متى وجدوا دعما حقيقيا يضمن لهن الشعور بالأمان واحترام قيمة العمل في القطاع الزراعي.
الفلاح المصري بحاجة إلى تقنين أوضاع أراضي الإصلاح الزراعي بشكل كامل خصوصا لتعظيم قيمة أرضه فكثير من الفلاحين في مصر استوفوا دفع المستحقات المطلوبة على الأراضي وتعطلت إجراءات الحيازة الكاملة لهم على أراضيهم وبالتالي لا يتمكنون من الحصول على الأسمدة المقررة لهم ويضطرون للشراء من السوق السوداء وما أدراك ما السوق السوداء..
أما الطامة الكبرى فهي الجمعيات الزراعية التي لم نعد نعرف لها دورا مماثلا كما كانت في الماضي.. أذكر في طفولتي جداول مرور المهندسين الزراعيين على الأراضي الزراعية وتقديم الاستشارات المجانية بشكل شبه يومي للفلاحين.. وأذكر فرق مكافحة الآفات الزراعية والطائرات المروحية التي كانت تباشر رش محصول القطن لحمايته.. ويؤسفني القول: إن تلك المشاهد باتت أرشيفا من الماضي.. ولذلك أستنهض الحكومة بأن تجدد الدعم للقطاع الزراعي وخصوصا لصغار ملاك الأراضي الزراعية وفي ذلك ضمان حيوي لأمننا القومي.. والله من وراء القصد.